قبل أن يتلاشى صدى تحذير الرئيس أوباما من أي تدخل عسكري في أوكرانيا، جاء الرد من موسكو بموافقة البرلمان الروسي بالإجماع، على اللجوء إلى القوة العسكرية، تحديداً في جمهورية شبه جزيرة القرم ذات الحكم الذاتي وأغلبية السكان الروسية الأصل، استجابة لطلب الرئيس بوتين، الذي تجاهل بيان أوباما، الذي تشدق فيه بأن بلاده ستقف بحزم مع المجتمع الدولي، للتأكيد على أن أي انتهاك لسيادة أوكرانيا أو وحدة أراضيها سيكون له ثمن، وسيؤدي إلى زعزعة الاستقرار العالمي على نحو كبير، ولعل سيد الكرملين استحضر جملة من التهديدات الفارغة، كان ساكن البيت الأبيض أطلقها كفقاعات في الهواء تجاه الأزمة السورية، ورغم أن روسيا تقول إن تحركاتها العسكرية في شبه جزيرة القرم، لا تخالف المعاهدات الدولية، وتُنكر الاستيلاء على المطارات، فإن دعوات انطلقت في أوكرانيا، تدعو لإعلان التعبئة العامة في مواجهة ما يُعتبر عدواناً روسياً، والدعوة إلى اجتماع طارئ لمجلس الأمن الدولي، الذي يواصل مشاوراته ضمن جلسات مغلقة أولاً، ومفتوحة علنية في وقت لاحق.
يؤشر ما جرى في جزيرة القرم، إلى ملامح ما هو قادم، بدأت الامور باستيلاء مسلحين موالين لموسكو على بعض المواقع الحساسة، في عاصمة الجمهورية المحاذية لأراضي روسيا، التي سارعت لمنحهم جنسيتها، صحيح أن موسكو لن تتورط إلى حد غزو أراضي جارتها، لكن الصحيح أيضاً انها لن تصمت إزاء التطورات المتسارعة عند بوابتها الغربية وهكذا يمكن القول إنها لجأت إلى عمل شبه عسكري، تحاول من خلاله ضمان مصالحها الاستراتيجية، وتنفيذ الاتفاقات الثنائية مع جارتها المتمردة، والأرجح أن الغرب الذي تستنجد به كييف لن يقف متفرجاً، لكنه حتى اللحظة يكتفي بالدعم اللفظي لحكامها الجدد، بينما يدعو صندوق النقد الدولي السلطات الأوكرانية، إلى عدم المبالغة في أرقام الأموال التي تطلبها.
اكتفي بوتين بالصمت، في حين تنتشر قواته في عدد من المواقع الاستراتيجية في القرم، وعلى أساس أن تحركها يخضع للاتفاقات الثنائية بين موسكو وكييف، بينما واقع الحال أن هناك جنوداً مجهولي الانتماء، ينتشرون في محيط النقاط الاستراتيجية، مع شائعات أنهم من روسيا، تقابلها انباء عن انتمائهم لقوات الأمن الخاصة الموالية لموسكو، ما يشي بأن الصبغة العسكرية ستكون عنوان تعامل بوتين مع الازمة، أقله في القرم، التي ظلت جزءاً من روسيا حتى العام 1954، حين قدمها الزعيم السوفياتي الأسبق نيكيتا خروشوف هدية إلى حلفائه في كييف، وبعد نيل أوكرانيا استقلالها مع انهيار الإتحاد السوفيتي، نالت منطقة القرم وضعاً خاصاً، بانشاء جمهورية حكم ذاتي فيها ضمن الدولة الأوكرانية، التي منحت روسيا بالمقابل حق الحفاظ على قاعدة أسطول البحر الأسود، في ميناء سيفاستوبل حتى عام 2017، وهو الاتفاق الذي مدد مدته يانوكوفيتش عام 2012 حتى 2042.
الجيش الأوكراني يستنفر دون فعل على الأرض، والرئيس المؤقت يدعو نظيره الروسي إلى وقف اعتدائه المكشوف على الفور، وسحب جنوده من القرم والعمل حصراً في إطار الاتفاقات الموقعة، بينما برلمان القرم يقرر تنظيم استفتاء عام، بشأن توسيع صلاحيات السلطة المحلية، في نفس اليوم الذي حدده البرلمان الأوكراني، موعداً لانتخاب رئيس جديد للجمهورية، بينما تسعى موسكو المُدركة لما يجري لتحسين شروطها، بعد صمت عن الأحداث أسفر عن واقع لا ترضاه، ولا تستطيع تغييره بسهولة، لكن جيشها يقول للعالم إن هناك خطوطاً حمراء لا يجوز تجاوزها، ومن أهمها أمن البحر الأسود.
أوكرانيا وأمن البحر الأسود
[post-views]
نشر في: 2 مارس, 2014: 09:01 م