ما معنى أن يخرج حزب الفضيلة بمجموعة من المتظاهرين في محافظة البصرة ليطالبوا مجلس النواب  بتطبيق القانون الجعفري؟.. ما معنى أن يطل علينا وزير العدل، ليقول إن "كثيراً من ساسة العراق يرغبون في إعلان الحكم الإسلامي للبلد، وأنا أولهم، ومن يرى أن تحقيق النظام الإسلامي مقاطع للسياسة، فليذهب مستقبله السياسي إلى الجحيم".؟!
 لعل السؤال الأهم لمن يتابع الوضع في العراق، هو: هل ما يجري اليوم مقطوع الصلة بما يجري من خراب، وأن سلوكيات البعض ليست بعيدة عن نظام دولة المحاصصة الطائفية، ووثيق الصلة أيضا بحرائق التعصب والانغلاق التي تنتشر اليوم في أكثر من مكان؟، فحملات إعادة العراق الى القرون الوسطى التي رفع رايتها من قبل الحاج كامل الزيدي ، وسار على دربه مجموعة من "الحجاج" كان ابرزهم رئيس مجلس الوزراء ، الذي قال بالحرف الواحد ذات يوم :"  إن الاحزاب الاسلامية في العراق استطاعت ان تدحر الماركسيين والعلمانيين والحداثويين وان تنتصر عليهم" ولن ننسى الدروشة التي اخذت رئيس مجلس النواب السابق محمود المشهداني حين اصر ان يعيد علينا مشاهد من فيلم " الرسالة  " معلنا أنه لن يتنازل عن أسلمة الشعب العراقي، وأي فكر آخر هو فكر مستورد ولن نسمح به " هذه الحملات  هي نفسها التي  يحاول اليوم وزير العدل ان يعيدها وبنجاح منقطع النظير .
عندما يقول رجل العدالة الاول  في السلطة التنفيذية عن المختلفين معه بالرأي بان يذهبوا الى الجحيم فاغلب الظن انه يتصور نفسه مبعوث العناية الإلهية لإنقاذ هذا الشعب من الضلالة والجاهلية، وعندما يعتقد حزب مشارك في السلطة ان بناء الدولة لايتم الا في اقرار قانون الزواج من القاصرات، وليس في نبذ السراق والمفسدين وأمراء الطوائف ،  فعلينا جميعا ان نشعر بالخوف على مستقبل البلاد، لان من يقول هذا الكلام اليوم فربما غدا يحوله الى تشريعات تقضي برجم كل من يخالفه الرأي.
يمكن لحزب الفضيلة ان ينظم تظاهرات  ضد رافضي القانون ، وضد منظمات المجتمع المدني، ولكنه حتما سيعجز عن إقناع المتظاهرين بفوائد البطالة، وبالمنافع التي تعود عليهم من خلال الفساد المالي المستشري، وبرائحة الموت  التي انتشرت في معظم مدن العراق.
وسأعلن استعدادي مشاركة السادة في حزب الفضيلة تظاهراتهم، لكنني اشترط عليهم أن يشتركوا معنا، نحن المساكين، في تظاهرة، ضد الانتهازية السياسية، وضد سارقي المال العام، وضد عصابات الجريمة المنظمة.
إن التظاهرات التي خرج بها حزب الفضيلة في البصرة، مؤشر خطير، ومحاولته استغلال الدين في التحريض ضد من يختلف معه حول قانون الاحوال الجعفرية مؤشر أكثر خطورة .
لقد وصل الاستهتار بمشاعر الناس وآمالهم أن يقول البعض إنه برغم كل الفساد وتردي الامن ،  إلا أن تطبيق قانون حسن الشمري سيضع العراق على سلم الدول المتطورة، وان الإعلام ومعه  منظمات الدفاع عن المرأة  يقفون حجر عثرة في مسيرة الإعمار والتطوير..
 أنتم أيها الساسة الذين تريدون أن ندفع جميعاً ثمن تفرغكم لدراسة كتب الاستبداد والانتهازية. وتريدون مقابلها كل الامتيازات؟ ولا تكتفون بنهب ثروات البلاد وتحويلها الى إقطاعيات.. لكنكم تواجهون المختلفين معكم  بأساليب التخوين، وتصرون على ان تمنعوا او تمنحوا الحياة بمزاجكم.. تريدون سلطة لها بعد سياسي وديني.. تريدون أن تحكموا في الأرض بما تتصورونه، أو تدعونه من أنه حكم السماء.. ايها السادة انتم نسخ مشوهة من صاحب "الحملة الإيمانية".
للأسف ينسى البعض أن التصدي للسياسة يعني أن تكون قادراً على صنع موقف والدفاع عنه، يعني أن تؤمن بأنه قد تأتيك ثقة الناس في لحظة لكي تقوم بدور حقيقي. لو لم تكن كذلك، فإنك تمارس الضحك على عقول الناس، مثلما حاول وزير العدل ان يحول  الموقف المتأزم الى مشهد كوميدي حين اخبرنا امس بان وزارته حققت العام الماضي أرباحا كبيرة ، ونسي ان يحدد لنا بالأرقام عدد الذين هربوا من سجون وزارة العدل.
والان أيها السادة، كيف تريدون منا ان نخرج في تظاهرات معكم؟ ببساطة الناس تعرفكم وتدرك كيف أنكم تقولون كلاماً مستهلكا  وترفعون شعارات عفا عليها الزمن ، وتريدون أن تخربوا العقول بعد أن خربتم الأوطان.