أتذكر هذه الحادثة كلما حل عيد المعلم ،كان قد رواها لي أحد المعلمين السابقين واصفا كيف اصطف طلبته في يوم ممطر وسط الوحل وتراصت أقدامهم ليدوس عليها معلمهم حتى يصل إلى السيارة التي تقله إلى مقر سكناه البعيد عن منطقتهم.. لم يفكر أحد من الطلبة يومها بأن معلمهم ينتمي لمنطقة أخرى أو إلى طائفة أخرى فكل ما كان يثير اعتزازهم به هو جرعات العلم والمعرفة التي يصبها في جوف أدمغتهم وإرشاداته التربوية الأبوية التي تنير لهم طريقهم.
كان المعلم في السابق يضع رسالته التعليمية والتربوية كأولى أولوياته ولا يحيد عن ذلك مهما كانت الظروف ليبلغ صفة "الرسول" التي حاول الشعراء تقريبه منها..
اليوم، نسمع عن معلمين ومدرسين يقدمون قناعاتهم الخاصة وولاءاتهم لجهات معينة أو تأييدهم لها فقط، على رسالتهم التربوية وينظرون إلى الطلبة من خلال هذه الزاوية الضيقة في تعاملهم معهم، كما فعل أحد المعلمين حين منح طالباً درجة ضعيفة جداً وعندما جاء ليعاتبه، قال له مؤنباً: اسمك وحده يكفي! وكان يقصد بذلك انتماء الطالب لطائفة أخرى!
تحدث مثل هذه الحالات على نطاق ضيق، لكنها تحدث وهذا هو المهم في المدارس والجامعات التي يقضي فيها أولادنا ساعات طويلة ليعودوا لنا بقناعات حائرة بين تصديق ما عليهم تصديقه او استيعاب الآخر لأنه مكمل لهم وشريك أساسي في بناء المستقبل..
نحن نحتاج الى المعلم طوال حياتنا فمن جهلنا نخطئ ونسبة الجهل تتضاعف لدينا مع قبولنا بالقناعات الجاهزة وعدم محاولة اغلبنا طرحها للبحث والنقاش وتقصي المعلومة الصحيحة بدلا من الاكتفاء بالإنصات الى جهة واحدة وقناة فضائية واحدة وفم واحد ..نحتاج الى معلم يعيد الينا شعورنا بإنسانيتنا قبل انتماءاتنا ..معلم فطري اذا لزم الأمر كذلك الرجل العجوز الذي صادفه الخليفة العربي وهو يزرع شجرة فطلب منه ان يرتاح في أواخر أيامه لأنه لن يتمكن ربما من تناول ثمار أشجاره تلك ..يومها قال له الرجل العجوز : غرسوا فأكلنا ونغرس فيأكلون ..كان ذلك الرجل اذن يجد سعادته في تقديم عمل نافع للآخرين ويستمتع بعطائه لأن من سيأتي بعده سيقطف ثمار جهده...
نحتاج الى معلمين وأساتذة جامعات يرتقون على واقعنا المدجج بالمفاهيم الخاطئة والجهل والعناد ويغرسون في طلبتهم حب الحياة والوطن والآخرين، فالكلام عن نبذ الطائفية لا ينتهي ولا يمر يوم دون ان يطل علينا مسؤول كبير يتشدق بنبذ الطائفية وضرورة التلاحم والسعي للوحدة الوطنية دون ان تعكس أفعاله ذلك ، فالعمل بالنيات او الخطب والتصريحات الرنانة لا يكفي دون محاولات جادة وحقيقية ..
وقد يكون على وزارة التربية مثلاً – إذا كانت رسالة التربية والتعليم هي من أولى أولوياتها – ان تشترط في استمارات التعيين للمعلمين الجدد ألا يكون المتقدم للتعيين متعصباً لطائفة ما، وأن يكون ولاؤه لوطنه ورسالته التربوية أولاً، إذ يكفينا ما اختلط من أوراق سياسية لنخلط المفاهيم أيضاً في أذهان أجيالنا القادمة!
مفاهيم خاطئة
[post-views]
نشر في: 3 مارس, 2014: 09:01 م