ينشغل الآن الكاتب المبدع كریم كطافة مع المخرج علي رفيق لإنجاز سيناريو لفيلم يحاول توثيق تجربة النصيرات الشيوعيات إبان سنوات الكفاح المسلح ضد الدكتاتورية.. التقیته في دنهاخ لتسلیط الضوء على تجربته الجدیدة: * عرفناك ككاتب روایة، ما هي دوافع خوضك لتجرب
ينشغل الآن الكاتب المبدع كریم كطافة مع المخرج علي رفيق لإنجاز سيناريو لفيلم يحاول توثيق تجربة النصيرات الشيوعيات إبان سنوات الكفاح المسلح ضد الدكتاتورية.. التقیته في دنهاخ لتسلیط الضوء على تجربته الجدیدة:
* عرفناك ككاتب روایة، ما هي دوافع خوضك لتجربة كتابة السیناریو؟
-بدءاً أود القول :إن احترامي لأشكال التعبير الأدبي والفني يمنعني من القول إني كاتب رواية مثلاً أو كاتب سيناريو. لكني أسمح لنفسي بالقول إني كتبت روايات وها أنا أجرب كتابة السيناريو. الأمر بالنسبة لي يتعدى قضية الخلفية الأكاديمية وما شابهها من أسباب تجعل أحدهم كاتب رواية والآخر كاتب سيناريو. الأمر ليس كذلك. كثرٌ هم خريجو أكاديميات فنية باختصاصات مختلفة، لكنهم على صعيد الإنتاج الفعلي صفر اليدين ومثلهم وأكثر من حُرموا لأسباب مختلفة من دخول تلك الأكاديميات لكنهم رغم ذاك كانت لهم إنجازات ملموسة. القضية تتعلق بما يمكن وصفه بذاك الشيء الهلامي الذي يصعب تعريفه بـ(الموهبة) فقط. إذ مع الموهبة هناك الرغبة الحقيقية وهناك التحدي كذلك أو لنقل البحث عن تحدٍ. من هنا استطيع القول إن دخولي في تجربة كتابة السيناريو جاء بدافع البحث عن تحدٍ جديد. رغم إدراكي أن عملية كتابة سيناريو لا تشبه عملية كتابة رواية. الاختلاف كبير بين النص السردي والنص البصري.
* كیف تهیأت معرفیاً إذاً للتمكن من كتابة السيناريو؟
-بذلت جهداً بتثقيف نفسي بنفسي بفلسفة وآليات وتجارب كتابة السيناريو. تتلمذت على يد فطاحل في هذا المجال بدءاً من جاك أومون وميشيل ماري الفرنسيان وصولاً إلى الأمريكي الذي تخرج سيناريوهات هوليوود من تحت يديه (سد فيلد).. ولم أوفر التجربة العربية في هذا المجال سواء المصرية على خصبها وغزارتها أو العراقية على ندرتها التي أفرزت رغم ذاك كتيب تعليمي صغير (كيف تكتب السيناريو) للمخرج العراقي صاحب التجربة الطويلة مع السينما (قيس الزبيدي). أرشدني هذا الرجل إلى ملاحظة تلك العلامات الفاصلة بين ما هو أدبي وما هو بصري في كتابة السيناريو. وعوداً على بدء، أن انشغالي بكتابة سيناريو فيلم النصيرات سبقته تجربة تحويل روايتي الثالثة (حصار العنكبوت) التي أتوقع صدورها عن قريب، إلى سيناريو سينمائي جرى الاتفاق على كتابته بمساعدة المخرج (قيس الزبيدي). لكن مشاكل تخص التمويل والميزانية أوقفت المشروع. كذلك حولت روايتي الرابعة (13 ساعة نزهة حرة) إلى سيناريو فيلم روائي طويل وهو جاهز لمن يرغب من المخرجين. أما فيلم النصيرات فهذا له قصة أخرى تتعدى التجريب وشؤونه. القصة تخص توثيق تاريخ أنا شخصياً جزء منه. لقد وجدت رفيقي وصديقي (علي رفيق) بفريق عمل صغير قد أخذ على عاتقه مشروعاً كبيراً يحتاج إلى مؤسسة كاملة التخصصات لإنجازه . لكنه رغم ذاك وربما بدافع التحدي الذي أشرت له قبل قليل، قد نجح في إخراج الجزء الأول من مشروعه فيلم (سنوات الجمر والرماد) وما زالت لديه مادة كبيرة (رشز) تكفي حسب تقديره لأربعة أفلام أخرى مواضيعها جاهزة في رأسه. لكن حجم المشروع وضآلة الإمكانات (المادية) بالتأكيد ستنعكس بشكل مباشر على سرعة ونوعية الإنجاز. لذلك كان مستعداً مسبقاً لتقبل كل الملاحظات التي قيلت وتقال حول الجزء الأول من المشروع، الذي رغم كل ما قيل نال استحسان وإعجاب الكثيرين سواء من الأنصار أو من خارج الأنصار. لكنه ولكي يكمل مشروعه للأخير ولأهمية هذا المشروع بوصفه التجربة السينمائية الأولى لأرشفة وتوثيق تاريخ حركة الأنصار، يظل بحاجة ماسة إلى الدعم والمساندة على الأخص من قبل رفاقه ومن قبل رابطة الأنصار التي تبنت المشروع من البداية ودعمته. هذا الأمر هو الذي دعاني أنتدب نفسي متطوعاً وأعرض عليه ما أستطيع القيام به فوافق.
* أفهم من كلامك أن انشغالك الحالي بـ (فيلم النصيرات) هو محاولتك الثالثة بعد تحویل (حصار العنكبوت) و(13 ساعة نزهة حرة) في مجال كتابة السیناریو؟
-بالنسبة لرواية (حصار العنكبوت) فإنها تعتمد على تنويع سردي تضمن من بين ما تضمن سيناريو فيلم. الأمر الذي سهّل علي في ما بعد أن أتعامل مع الرواية ككل وأحولها إلى سيناريو. أما رواية (13 ساعة نزهة حرة) فهي أصلاً كانت مكتوبة على شكل سيناريو لأحد الأصدقاء المخرجين لكنه توقف ولم يكمله. ولما عرضه عليّ وقرأته، سألني هل بإمكاني إكماله. أجبته بصراحة؛ أن هذا السيناريو لم يقنعني، لكني سآخذ منه خمسة أسطر فقط!! سألني مندهشاً ماذا ستفعل مع الخمسة أسطر، أجبته أعمل منها رواية. وبين المزح والجد باعني تلك الأسطر الخمسة بدولار واحد لم أسلمه له لحد الآن. وتفرغت لكتابة الرواية وأنجزتها. ولما اكتملت المسودة الأولى وعرضتها عليه، عاد وطلب مني أن أحولها إلى سيناريو من جديد. لكنه في هذه الحالة اتخذ ملامح أخرى لا علاقة لها بما كتبه هو.
* وماهو جدیدك الممیز في فيلم النصيرات؟
-أما عن تجربة فيلم النصيرات، فأعتبرها تجربة استثنائية بكل ما في هذه الكلمة من معان. الجديد في فيلم النصيرات ليس موضوعه فقط، بل التقنية المطلوبة لإنجازه. أنت تستطيع عمل فيلم وثائقي مبني مسبقاً على فكرة ما تختار لها المحاور والمتحدثين أو المادة الأرشيفية وما عليك سوى أن تقترح الميزانية التخمينية لعملك وتبحث عن منتج يقتنع بالعمل وتبدأ.. أما في حالة فيلم النصيرات (الذي للآن لم نختر له عنواناً) فالأمر جاء معاكساً تماماً لهذه الطريقة في العمل. لدينا مادة مصورة جاهزة لكنها بلا محاور، وبلا موضوع محدد، يمكن القول إنها (رشز) فقط. إذ كان (علي رفيق) خلال تصوير مادته متسامحاً كثيراً مع المتحدثين والمتحدثات، أعطاهم حرية الحديث عن كل شيء.. لذا تجد في الحديث الواحد لأحد الأنصار أو النصيرات سلسلة من المواضيع وليس موضوعا محددا، سلسلة من الأفكار والرسائل غير مبوبة. وهنا تكمن الصعوبة لشخص مثلي هو في كل الأحوال يدخل التجربة من باب التحدي والحماسة والانحياز أكثر من كونه محترفاً. أن تشاهد 76 ملفاً بصرياً بطول 5 إلى 10 دقائق لكل ملف، ثم تسأل نفسك ذات الأسئلة عشرات المرات: ماذا بوسعي أن أفعل.. أي محور أختار..أي متحدث أختار.. ولماذا؟ كل هذا وأنت في بلد والمخرج في بلد آخر والعلاقة بينكما تكون عبر الإيميل والسكايب فقط. مؤكد سيكون هكذا عمل بمنتهى الصعوبة. علماً أن هذه الـ(76) ملفاً ما هي إلا مجتزءات للقاءات طويلة من ملفات أكبر، لم يستطع (علي رفيق) إرسالها لي لأسباب فنية. الأمر الذي اضطرني بعد كتابة المسودة الأولى للسيناريو للسفر إلى لندن ومشاهدة ما تبقى بعهدة المخرج ومن ثم الدخول في ورشة عمل ثنائية دامت عشرة أيام. خرجنا منها برؤية مشتركة وعملنا عليها. لكنك في كل الأحوال لا تستطيع إنجاز فيلم سينمائي مبني على لقاءات فقط. ستكون بحاجة إلى مشاهد تكميلية لحديث المتحدثات كما تحتاج إلى مساحة بصرية تثري الخط الدرامي للفيلم. وهذه كلها لكي تنجزها تحتاج إلى (فلوس) تمويل. بينما واقع الحال أن فريق العمل إضافة إلى كونه يعمل متطوعاً في هذا المشروع هو فوق هذا يدفع من جيبه لتلك الاحتياجات البسيطة التي بمقدوره تغطيتها. ما يجعل تلك الاحتياجات الأكبر لإكمال الفيلم متوقفة تنتظر التمويل. علما أن للجميع واجبات والتزامات عائلية ووظيفية في البلدان التي يعيشون فيها. لكن المشجع في الأمر أن حماسة فريق العمل لإنجاز هذا الفيلم تصل إلى درجة العناد. الجميع مصرون على إكماله مهما تكن المعوقات وإن اضطررنا للصرف من جيوبنا أو الاستدانة.