معلق في غصن شجرة ويلتف حبل على عنقه بينما يحاول جاهدا ان يمس الأرض برؤوس أصابعه مقاوما الاختناق بصعوبة لكيلا يموت بينما ينصرف العبيد الآخرون لأعمالهم وكأن شيئا لم يحدث..بهذا المشهد المأساوي يبتدئ المخرج البريطاني ستيف ماكوين فيلمه الجديد ( 12 عاما من
معلق في غصن شجرة ويلتف حبل على عنقه بينما يحاول جاهدا ان يمس الأرض برؤوس أصابعه مقاوما الاختناق بصعوبة لكيلا يموت بينما ينصرف العبيد الآخرون لأعمالهم وكأن شيئا لم يحدث..بهذا المشهد المأساوي يبتدئ المخرج البريطاني ستيف ماكوين فيلمه الجديد ( 12 عاما من العبودية ) الذي تم ترشيحه مؤخرا لنيل جائزة الأوسكار ..الفيلم مستوحى من كتاب السيرة الذاتية للكاتب سولومون نورثوب ، وهو زنجي يعزف الكمان ..متزوج ولديه طفلان ومولع بحضور سباقات الخيول..
ويرى المخرج ماكوين ان قضية العبودية يجب ان تروى من وجهة نظر العبيد ، وفي مقابلة أجرتها صحيفة الفيغارو الفرنسية معه قال بأنه لم يحاول ان يضع جهازتصفية بل نقل الواقع الموجود في الكتاب إلى الشاشة بكل فظاعته ووحشيته..
بعد فيلمه (جوع ) أثبت المصور السينمائي والمخرج ستيف ماكوين المولود في لندن عام 1969 بانه واحد من اهم المخرجين السينمائيين في الوقت الحاضر ..وجوابا على سؤال الصحيفة له عن كيفية اكتشافه قصة فيلمه (12 عاما من العبودية ) قال ماكوين بأنه فكر في إخراج فيلم عن العبودية ووجد في قصة سولومون نورثوب الحقيقية لرجل أفريقي –أمريكي اختطف واصبح عبدا ماحقق له رغبته ،وكان ماكوين حريصا على اختيار شخصية أمريكية وليست أفريقية ليضمن تفاعل المشاهدين معه، لذا بدأ بكتابة السيناريو له ثم استعان بزوجته بيانكا ستجتير التي تعمل كمؤرخة لتجري بحثا حول السيرة الذاتية لنورثوب ..ويقول ماكوين ان الكتاب كان مفاجأة له وانه كان يكتشف شيئا جديدا مع كل صفحة يقرأها ودفعه ذلك إلى التفكير في تحويل الرواية إلى فيلم سينمائي مباشرة ،فهي القصة الوحيدة التي كتبها رجل حر تم اختطافه وبيعه ضمن تجارة الرقيق ثم تم تحريره من جديد، كما ان الشخصية الرئيسية تنتمي إلى الطبقة المتوسطة وتعشق الموسيقى وتجيد العزف وهذا أكثر ماكان يهم ماكوين .. وسألته الصحيفة أيضا عن سبب اهتمامه بالعبودية في التاريخ الأمريكي رغم انه بريطاني ،فقال :إن العبودية هي تاريخ عالمي كما انه ليس بريطانيا أو أمريكيا ،إذ ينحدر والداه أصلا من غرينادا كما هو الحال مع ماركوس غارفي وسدني بواتييه وكولن باول ،لذا يعتبر نفسه مثالا على وجود العبودية في كل أنحاء العالم وأن المحررين منها قد نجوا من فصل رهيب من التاريخ الحي ..أما الفرق بيني وبين الأمريكان فأنا أناقش قضية العبودية من وجهة نظر الكاتب ونظري كرجال سود .أما اغلب الأفلام الأمريكية فيناقشها رجال بيض كما في الفيلم الشهير (لنكولن ) لستيفن سبيلبيرغ الذي كان مثيرا لكنه لم يسرد قضية العبيد من وجهة نظرهم والأمر ذاته حصل في فيلم (اميستاد ) الذي يروي قصة تمرد للعبيد على ظهر سفينة ثم محاكمتهم وأبطال الفيلم ذاتهم كانوا من البيض ،وهم أنتوني هوبكنز وماثيو ميكونوفي ..
وترى صحيفة الفيغارو ان هناك موجة لأفلام السود في السينما الأمريكية مؤخرا مع ظهور أفلام ( ماجوردوم ) للمخرج لي دانيالز ، وفيلم (محطة فروتيفال ) لرايان كوغليه ثم فيلم ( 12 عاما من العبودية ) .لكن المخرج ستيف ماكوين لايتفق معها في ذلك فهو لايرى في انتخاب باراك أوباما مثلا مسوغا لعمل ذلك وكأنه أعطى الشرعية لعمل أفلام عن السود كما يرى البعض بل يرى بأن هذه الظاهرة موجودة دائما مادام العبيد موجودين ....وعن موقف المنتجين في هوليوود من هذه الظاهرة قال ماكوين ان الأمر سيان لديهم فكل مايهمهم هو الكسب المادي ..
ويقول ماكوين انه تمكن من إنجاز الفيلم بفضل براد بت الذي يمثل في الفيلم كما انه شريك في الإنتاج وقد ساعده من خلال شركة الإنتاج الخاصة به ..
وعن حدوده لاستخدام العنف في الفيلم يقول ماكوين ان البعض يرى الفيلم وحشيا وقاسيا لكن القصة الموجودة في الكتاب أسوأ بكثير ..فالمهم لديه ليس تصوير العنف بل إلى أي مدى يمكنه الذهاب ، ففي المشهد الأول الذي يتم تعليق سولومون نورثوب في شجرة وضربه حرص المخرج على تصوير وجهه ووجه الرجل الذي يضربه بينما ظل ظهره مخفيا عن المشاهد ، لكنه يعمل على تصعيد الحدث حين يرفع شخص آخر قميصه لتظهر آثار الجلد الرهيبة ، ويعلق ماكوين على تصعيد العنف بقوله :إنه لايحب ان يكذب على الجمهور ولايريد تجميل الواقع بل إظهار الشر كما هو ..ويعتبر ماكوين ان اكثر المشاهد عنفا وقسوة هو رؤية نورثوب يتدلى من غصن شجرة وهو يجاهد لكي يمس الأرض بأصابعه لكي لا يموت، بينما يلعب الأطفال في خلفية المكان ..هذا هو الشر الحقيقي بالنسبة له ..