TOP

جريدة المدى > سينما > شعرية الاحتجاج عند أُسامة أنور عكاشة (1-2)

شعرية الاحتجاج عند أُسامة أنور عكاشة (1-2)

نشر في: 5 مارس, 2014: 09:01 م

لا أنكر بأن رحيل الكاتب الكبير أسامة أنور عكاشة، دفعني للبحث عن  مختلف إبداعاته، لا سيما المسرحية والروائية، وباءت كل محاولاتي بالفشل تقريبا، في حين  لا تتوقف فضائياتنا  العربية  عن قصفنا بعروض مسرحية سمجة، يتقافز فيها المهرجون عل

لا أنكر بأن رحيل الكاتب الكبير أسامة أنور عكاشة، دفعني للبحث عن  مختلف إبداعاته، لا سيما المسرحية والروائية، وباءت كل محاولاتي بالفشل تقريبا، في حين  لا تتوقف فضائياتنا  العربية  عن قصفنا بعروض مسرحية سمجة، يتقافز فيها المهرجون على خشبة المسرح كما القرود. ورغم الشهرة الكاسحة التي حققها عكاشة في الدراما التلفزيونية، لم تلق أعماله المسرحية والسينمائية وحتى الأدبية نفس النجاح الساحق لمسلسلاته التلفزيونية،  وقد عبّر أسامة عن حبه – مبكرا- لأبي الفنون، وأيضا للإسكندرية التي هام بها في مسلسل "طيور الصيف"، في حين لم يكتب سوى ست مسرحيات، وهي:  القانون وسيادته، البحر بيضحك ليه، الناس اللي في الثالث، في عز الظهر، ليلة 14، أولاد الذين. 
لم أجد سوى نسخة وحيدة ونادرة منقولة (هل نقول مقرصنة؟) عن الفضائية اليمنية، وأجّلت مشاهدتها أكثر من مرة، وتفاقمت كآبتي بعد أن انتهيت من مشاهدة العمل، وتحضير مسودة هذه الورقة، بعد متابعة العمل على مرحلتين؛ فقد كنت مضطرا على ترك فسحة زمنية. ربما بسبب جدية المسرحية وغياب ذلك التشويق المعهود لدى عكاشة، مما يجعلك تحس ببعض الملل وفقدان الحماسة، بينما وجدتني أنهي مشاهدة أكثر من ثلثي حلقات مسلسل "الشهد والدموع" في أقل من أربعة أيام، بعد تنزيلها من موقع اليوتوب، لأتخلص من أسر إحدى الفضائيات المصرية، التي أعادت عرضه بُعَيد رحيله، رغم أني سبق أن شاهدته قبل سنوات.. لكن أعماله تتميز بكونها تجعلك تكتشف في كل مرة شيئا لم تنتبه إليه من قبل (بخلاف باقي المسلسلات السطحية)، فضلا عن كون هذا المسلسل كان سبب شهرته....
ما أحبطني أنني فوجئت بأن هذه المسرحية عرضت عام 2001م، وأيضا استحالة العثور على صور تخدم الموضوع.. ووجدتني أتساءل: هل ضاع كل هذا الجهد هباء، و منذ أكثر من شهر، وأنا أخطط للكتابة عن مسرح عكاشة؟ من سيهتم بمادة عن عمل فني قديم، وأغلب الصحف والمجلات تعطي الأولوية للأعمال الجديدة، حتى لو كانت نقدا قاسيا لفيلم تافه لمطرب أكثر تفاهة، بدل تجاهلهما معا... 
تضاعفت كآبتي أيضا، بعد إسدال الستار على المراثي الكريهة. نسي الجميع أسامة أنور عكاشة، وعادوا إلى تعاليهم وتجاهلهم، كما كانوا يفعلون من قبل.. دون حتى أن يعبروا عن امتنانهم لعزرائيل الذي ألهمهم - وقتها- موادّ جديدة لا تستحق أي عناء لأعمدتهم الصحافية، فتخلوا عن كبريائهم وثقافتهم النخبوية، واعترفوا بأن أعماله - وحدها- كانت تشدهم لمتابعة المسلسلات. إلى متى لا نعترف بالإبداع والمبدع إلا بعد رحيله، فنتسابق إلى كتابة المراثي، بل نتاجر بموتهم؟
أحدهم كتب في مقاله الرثائي موضحا أن سبب خلافه مع "صديقه" الكاتب الراحل، هو رغبته في أن يتفرغ للكتابة التلفزيونية. وهل هناك صديق يطلب من صديقه، على صفحات الجرائد أن يتوقف عن الكتابة في الصحف؟
للإشارة، سبق أن نبهت كاتبنا الكبير - في اتصال هاتفي- إلى أنني أفضل أن أقرأه ناقدا فنيا وساردا، في إشارة إلى مقالاته بجريدة الوفد، وجاءني رده اللبق : "المقال السياسي أدب أيضا"، ولم ينزعج حين لمحت إلى أنني لم أقرأ بعد أي فصل من روايته "شق النهار"، مؤكدا أني أقوم بتجميع فصولها، التي كانت تنشر متسلسلة على صفحات الأهرام، ولم يكن قد انتهى من كتابتها، فنبهني إلى أنه يستحسن قراءتها كاملة. بعد إخفاق تجربتي "القانون وسيادته" و"البحر بيضحك ليه" هجر أسامة المسرح، وعند تولي الفنان محمد الحديني رئاسة المسرح القومي، طلب منه الكتابة للمسرح، فكتب "الناس اللي في الثالث"، لكن الرقابة رفضت المسرحية بسبب جرأتها السياسية، مما جعله يطبعها، ويشير في مقدمتها إلى رفض الرقابة لها، وبعد أن صار الحديني مدير البيت الفني للمسرح، طلب منه المسرحية، واقترح تغيير نهايتها، وقدمها للرقيب علي أبو شادي، الذي وافق عليها، وأخرجها محمد عمر، وكانت البطولة للفنانة سميحة أيوب، توفيق رشوان، وفاروق الفيشاوي.تبدأ المسرحية في ليلة زفاف الابن البكر سعيد (صلاح رشوان) في شقة بالدور الثالث مطلة على تمثال رمسيس. تحدث الأم وداد (سميحة أيوب) ابنتها رباب عن حفل زفاف أخيها، الذي لم تحضره الأخت، لأنها لا تملك فستان سهرة. ثم يظهر صديق الأب الراحل، العم مهيب (توفيق رشوان) بملابس متحفية، فيسأله الابن الأصغر المقعد : أهذه بذلة غطس؟ ويرد بأنها "بذلة الفرح"، التي لم يلبسها منذ خمسة وأربعين عاما، ويختفي عند سماع صوت السيدة وداد، التي ستتحدث بلوعة عن ابنها العريس، وفرحته المنطفئة منذ زمن، والعروس التي تبدو وكأنها تتصدق عليه بالزواج، رغم قصة الحب القديم بينهما، وتأجيلهما مشروع الزواج بسبب السياسة التي ابتلعتهما.. تذبل الفرحة ويشيخ قبل الثلاثين، ويتزوج بعد الأربعين، ويبدو لها كما رأته في حفل الزفاف "عجوز يستعير الفرح لليلة واحدة"، وتنهمر دموع الأم، وفي حديثها مع الابن الأصغر هاني، تشير إلى أنها لم تجد جوابا، عند سؤال أهل العروس عن إخوة العريس :"ماذا أقول لهم؟ الأخت عانس معقدة، ولم تأت لأنها لا تملك فستان سهرة. وابن غائب، لم يرسل منذ ثلاثة أشهر أية رسالة، والثالث مربوط إلى كرسي..."، تصمت وتسارع بالاعتذار لابنها.وعند محاولة العم مهيب تقديم هديته للعريس تتشاءم العروس منها، وكانت أزرار قميص ذهبية، لم يقدمها لعروسه، ليلة زفافه الذي لم يتم، فخبأها.. تصرخ فيه الأم بأن يأخذ أزراره ويذهب لغرفته، ويعتذر بأنه كبر ولم يعد يعرف ما يقول، ويسأله مرة أخرى : ألن تأخذ الأزرار؟ ينسحب منكسرا، وينادي عليه سعيد ويقبل منه الهدية.
تخفت الإضاءة، وأفراد الأسرة يغادرون في اتجاه غرفهم، ويسمع جرس الباب، تصرخ الخادمة وسيلة : إنه وحيد (فاروق الفيشاوي)، الذي يطل وهو يصرخ مبتهجا، وفي حديثه مع أمه، يلوح له الوضع محرجا، بعد أن قرر الاستقرار نهائيا، وقد استحوذ سعيد على الغرفة الكبرى، يفكر في حالة زواجه.. في أخذ غرفة أخته وأمه. يسألها : لماذا تبقى الغرفة الأخرى مؤجرة؟ ويصر وحيد على أن يغادر الأخ سعيد والعم مهيب البيت. ثم يسمع طرق قوي على الباب، ويجتاح رجال المخابرات وقوات الأمن المركزي البيت، ويمتد هذا الاجتياح البريختي حتى خارج خشبة المسرح، كما لو أن الجمهور قد تمت مداهمته أيضا.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

وفاة ديڤيد لينش فنان الرؤى المميّزة.. وأيقونة السينما الاميركية

مهرجان الجونة السينمائي يعلن عن مواعيد دورته الثامنة

السينما كفن كافكاوي

مقالات ذات صلة

وفاة ديڤيد لينش فنان الرؤى المميّزة.. وأيقونة السينما الاميركية
سينما

وفاة ديڤيد لينش فنان الرؤى المميّزة.. وأيقونة السينما الاميركية

متابعة المدىوديفيد كيث لينش صانع أفلام وفنان تشكيلي وموسيقي وممثل أمريكي. نال استحسانًا لأفلامه، والتي غالبًا ما تتميز بصفاتها السريالية الشبيهة بالأحلام. في مسيرة مهنية امتدت لأكثر من خمسين عامًا، حصل على العديد من...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram