كان الجميع يعرفون أن هناك أزمة تتفاقم تدريجياً، بين مشيخة قطر وشركائها في مجلس التعاون الخليجي، غير أنه كان مفاجئاً تطور ذلك إلى قرار بسحب السعودية والإمارات والبحرين سفراءها من الدوحة، في خطوة اعتبرها كثيرون بمثابة عقوبة للمشيخة، على دورها المرفوض في العديد من المسائل الشائكة خليجياً وعربياً، بعد أن اعتادت التدخل المستمر في الشؤون الداخلية لدول المجلس، البعض يصف ما يحصل اليوم، بحرب شعواء ولكن بلغة ناعمة، حيث لا يبدو أن أياً من الطرفين مستعد للتراجع، وتقديم التنازلات أو إبداء ليونة، والمؤكد أننا إزاء الأزمة الأخطر التي تواجه مجلس التعاون، وبحيث يُنتظر أن تصيب تداعياتها المنطقة كلها، ولا تتوقف عند حدود المنطقة الخليجية.
الدول الثلاث، تتهم المشيخة بتهديد الاستقرار السياسي والأمني لدول الخليج، من خلال دعمها للحوثيين في اليمن، وهم يتمركزون قريباً من الحدود السعودية، مدججين بأسلحتهم الإيرانية المصدر والولاء، ودعمها قيادات الإخوان في السعودية والإمارت، رغم وصف الدولتين لهم بالجماعة الإرهابية، التي سعت لتقويض نظام الحكم الإماراتي، والأخطر هو اتهامها بالحوادث الأمنية الأخيرة في الدول الخليجية، استناداً إلى علاقاتها المتجددة مع حزب الله، إضافة لاتهامها بكشف المعادين للحزب الأصولي في لبنان، بعد اتفاقية أمنية أبرمها مدير مخابراتها مع مسؤولين في الحزب، وربما كانت التفجيرات الأخيرة في البحرين، وقبلها في قرية العوامية الشيعية السعودية، القشة التي قصمت ظهر البعير في هذا الإطار، إضافة إلى تكريس ثروتها لدعم أتباع تنظيم القاعدة في سوريا، ونشاطات الإخوان المناهضة للحكومة المصرية.
سيظل في الدوحة سفراء مهمين وغير مهمين، لكن سحب السفراء الثلاثة يكتسب أهميته، من احتمال كونه مقدمة لإخراج قطر من مجلس التعاون الخليجي، بعد أن أوغلت في منعطفات سياسية وأمنية، تهدد مصالح دول الخليج وأنظمة الحكم فيها، نتيجة استمرارها في دعم إخوان مصر، رغم سقوط نظامهم، ومحاولة نسج تحالف مع إخوان تركيا، على حساب الدور العربي – الخليجي، في الوقت الذي تحافظ فيه على علاقة مع إيران، رغم ما يبدو من خلاف شديد بينهما حول الأزمة السورية، خصوصاً وأن إيران زادت انفتاحها في العلاقة مع الإخوان المصريين والأتراك، بعد سقوط حكم مرسي، في الوقت الذي أعاد القطريون مد خطوط التواصل مع "حزب الله" في لبنان، بينما يزداد حجم مشاركته في الحرب السورية، إلى جانب نظام الأسد.
الواضح اليوم، أن الخطوة الثلاثية ستعيد مشيخة الجزيرة والغاز المسال إلى حجمها الطبيعي في مجلس التعاون، رغم أن شيوخها وبعد كل ما أنجزوه، وما زالوا يحلمون بإنجازه، لم يأخذوا الحجم الذي طمحوا إليه، تنفيذاً للرؤية الأميركية المصلحية، بضرورة الحفاظ على خط مفتوح مع الإخوان والقاعدة، وقد انتدبت الدوحة نفسها لتكون صاحبة هذا الخط وراعيته، لكنهم تجاوزوا حقيقة أن حجم المشيخة، لا يؤهلها للعب دور حقيقي في البحث عن حلول للأزمات الإقليمية التي تطبخ في مطابخ أخرى، ليس لهم أي طباخ فيها، وبالكاد تستطيع دولة ذات وزن كالسعودية المشاركة فيها.
لم تسحب الكويت سفيرها، بسبب دورها كوسيط بين الأطراف كافة، ولقرب استضافتها مؤتمراً للقمة، غير أن السؤال هو هل فات أوان ترميم الجسور في الخليج، مع ثبوت أن مجلس التعاون، هو المنظومة الإقليمية الوحيدة التي حافظت على تماسكها، وهل يكون استمرار ذلك التماسك ممكناً، دون اتفاق على التمييز بين ما هو سيادي، وما يندرج ضمن أمن المنطقة، ومن هي الجهة التي ستحمي هذا الأمن دون أي تشدق بلغة مصالح الداخل والخارج، ودون البحث عن أدوار أكبر من قياس الساعين إليها، ورحم الله من عرف حدّه فوقف عنده.
الدوحة بغير ظلال
[post-views]
نشر في: 7 مارس, 2014: 09:01 م