يراهن النظام السوري اليوم، على عدم انعقاد جولة ثالثة من مؤتمر جنيف، ويتمنى أن ينسحب الأخضر الابراهيمي من موقعه كمبعوث دولي وعربي، يبحث عن حل تفاوضي للأزمة السورية المستمرة منذ ثلاث سنوات، والمُتوقع عند كثير من المراقبين والخبراء، أنها ستتواصل عشر سنوات أخرى، في ظل شعور الأسد بأن موقفه تعزز، ليس بالدعم الروسي والإيراني بالسلاح والمال فحسب، وإنما نتيجة استراتيجيته القائمة على عدم الاصطدام مع الحركات المتطرفة، وتركه "الجهاديين" يلعبون دوراً مشبوهاً في صفوف معارضيه، ما أدى إلى فقدان هؤلاء الثقة لدى الدول الغربية التي عدلت عن زيادة دعمهم خشية وقوع السلاح بيد المترفين، والنتيجة أن سقوط الأسد لم يعد حتمياً، كما كان يعتقد الكثير من المحللين قبل عام، كما أن بروز حالة الانقسام الطائفي بشكلها الحاد، وبمضامينها المتزمتة وبما يعني انعدام إمكانية التفاوض، سيولد شروطاً إضافية لاستمرار حالة عدم الاستقرار، خلال المرحلة المقبلة من حياة الدولة السورية.
رغم نفيها الخجول، فإن واشنطن تعتقد بأن من الأفضل أن يبقى الأسد في السلطة، لأن المتطرفين يشكلون تهديداً أكبر لأمنها الوطني، مع أنها تعرف أنه ما دام الأسد باقيا في السلطة، فإن الحرب الأهلية ستستمر، وستتوسع رقعتها، ولن يكون مُجدياً التشدق بأنها لا تزال تعمل مع شركائها في المنطقة، لاستشراف ما يُمكن القيام به، وبحث السبل التي تُمكّن الولايات المتحدة من تقوية دعمها للمعارضة المعتدلة، وهي سياسة ملتبسة تنقصها الرغبة الحقيقية في إنهاء الحرب، التي تستقطب "الجهاديين" من كل صوب، ليعود كل واحد منهم وقد تسلح بالتجربة القتالية، اللازمة للقيام بعمليات في بلده، أو أي بلد "كافر" على وجه الكرة الأرضية.
تُراهن بعض الدول الغربية، بأن الأشهر المقبلة ستكشف خيبة أمل نظام الأسد والذين معه، في الانتصار على المعارضة، ويستند رهانها على نيتها تقديم بعض المساعدات للمعارضة، وبما يسمح لها بالصمود ويمنع النظام من سحقها، على ان لا يؤهلها ذلك للتفوق عليه، وإلى ما بعد الانتخابات الرئاسية التي سيفوز فيها بالتزوير، فان من المُرجح أن ينجح في احتلال يبرود، دون اكتراث بحجم الخسائر في صفوف قواته وقوات حلفائه اللبنانيين، ما سينجم عنه انطلاق مرحلة جديدة ومعقدة من الكراهية الطائفية، وبحيث يستهدف رد المعارضة أو ثأرها، أبناء الطائفة العلوية، بمن فيهم علويو جبل محسن في لبنان، وبحيث يكون لانتصاره في جبال القلمون طعم الهزيمة المر، الذي ستتذوقه معه طهران وموسكو.
تخطط دمشق، وليس بالضرورة أن تنجح مخططاتها، للسير في خطين متوازيين، أولهما مواصلة القتال ضد المعارضة، والثاني مواصلة الحوار الداخلي مع ما تصفه بالمعارضة الوطنية، وبضمنها الجبهة الوطنية التقدمية لصاحبها حزب البعث العربي الاشتراكي، التي تقبل ببقاء الأسد ونظام حكمه، مع بعض التغييرات في الديكور الخارجي، وفي الأثناء تشجيع بعض المصالحات على الطريقة العشائرية، وبما يخفف من خسائر الجيش النظامي، فيما تتعامل المعارضة مع أمر كهذا باعتباره هدنة لإدخال المساعدات الإنسانية، إلى السكان المحاصرين من قبل قوات النظام منذ أشهر، في عدد من المناطق التي تتم فيها "المصالحات الوطنية"، وإذا كان المتفرجون عن بُعد، والذين خططوا لهذا المآل، يعدون السوريين بعشر سنوات عجاف، فإن منطق التاريخ وإرادة الشعوب، تؤكد أنه سيليهن عشرات من السنوات السمان.
يليهن عشرات سمان
[post-views]
نشر في: 8 مارس, 2014: 09:01 م