اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > غير مصنف > ضحكة بحاجة إلى خط من ألم ودم لتكتمل

ضحكة بحاجة إلى خط من ألم ودم لتكتمل

نشر في: 18 نوفمبر, 2009: 03:36 م

حيدر سعيد لم نعتد، ولم نهيأ لان نعتاد، على ان ننظر الى فن الكاريكاتير بوصفه احد فنون الطبقة العليا من الفنون لم نعتد على ان نتعامل معه على ان له منزلة كمنزلة النحت او الرسم او الموسيقى، لا تبدو اعمال الكاريكاتير اعمالا فنية بقيمة (الفورنيكا) او (نصب الحرية)، ولاحتى بقيمة اعمال من الدرجة العاشرة من طبقة الفنون العليا،
ربما لان الكاريكاتير فن صحفي، سريع يومي، مباشر ذو صلة باحداث سياسية راهنة. تظهر لوحة الكاريكاتير مع الصحيفة اليومية وتنتهي معها، مصيرها مصير الصحيفة، الى اعمال التنظيف، او تغليف البضائع، او نسيان في حافلة او مترو او صالة انتظار، في حين تتأبد اللوحات والمنحوتات في المتاحف او تشخص في ساحات المدن الكبرى تمر عليها اجيال البشر. وسيلة الفن ليست رسالته فقط، على نحو ما يقول مارشال ماكلوان، فوسيلته تحدد قيمته ايضا. (الوسيلة هي القيمة)، فلوحة الكاريكاتير التي تنسى مع الصحيفة في حافلة او مترو لا تقارن بنصب، كنصب الحرية، عصي على النسيان. ومع ذلك، قد لا يكون للوحات والمنحوتات (الرفيعة) فعل سياسي كما للوحة الكاريكاتير. ربما لا يتذكر احدنا لوحة او منحوتة عربية كان لها فعل سياسي كما كان للوحات ناجي العلي. يرتبط الامر مرة اخرى، بالوسيلة وببنية الفن التي تحددها الوسيلة. فالصحيفة اليومية، من حيث هي وسيلة، تفرض على فن الكاريكاتير ان يكون تشخيصيا، معتمدا على اللغة الى حد ما، ذا معنى ورسالة وقصد واضح، سياسيا على نحو كبير، في حين يتيح الطابع الطبقي للمتاحف والكاليريهات للوحات الفن (الرفيع) ان تكون فئوية، تأملية، تبريدية، جمالوية، تتداولها وتعيد انتاجها فئة قليلة من الناس، تتمسك بعصب التاريخ المطلق، الابدي، هذه اللوحات (الرفيعة) تتأمل في معنى ما، غير ملموس، من دون ان تفكر بأن تصنع تاريخاً، ان تحترق بناره. لقد جعل الفن (الرفيع) من التأمل والتجريد والجمال معاني فوق التأريخ (لأقل: خارج التاريخ)، مبهمة وغامضة. يمكن للوحة الكاريكاتير ان تصنع التاريخ. انها تعيد ترتيب طبقات الفنون، لأن (الوسيلة هي القيمة)، وقد تغير فهمنا للوسائل وقيمها ومراتبها واهمية كل منها على نحو راديكالي. فالمتاحف والكاليريهات القصية، التي تحمل نكهة طبقية او سياسية، لم تعد تعني شيئا برأي تلك الشبكة الافتراضية الهائلة من الصحف التلفزيونية الفضائية والمجلات ومواقع الانترنت، التي تتيح لكل فرد في العالم امكانية ان يكون فاعلا عليها، الفرد من حيث هوفرد، من دون اية صفة اخرى. تغير معنى الفن في حضارتنا المعاصرة، المتجهة الى ضفاف العدمية. فهذه الحضرة بلا وثائق وبلا ذاكرة، لان وسائلها سريعة العطب. سيزول ارشيف الحضارة كما تزول الصحيفة ولوحة الكاريكاتير، الى نسيان، او كما تزول شبكة الانترنت ومواقع الانترنت وثقافة الانترنت الى اثير غامض. الفن الجديد عدمي كذلك. لقد استبدل بالخلود فلسفة اخرى نقيضة، هي التلاشي اصبح الفن يبحث عن التلاشي، ذلك المصير الذي يواجه اغنية محفوظة على CD سريع التلف او لوحة على جدار سرعان ما يلصق عليها اعلان او قصيدة يغنيها شاعر في فضاء ذاهب وحتى المتاحف (الرفيعة) واللوحات (الرفيعة) استدرجت الى هذا الزوال، فهي، الان تتيح نفسها عبر شبكة الانترنت، وتتنازل عن رفعتها الى هذه الوسيلة الجديدة وسيلة الاثير الافتراضي المتلاشي. هذا التحول في الفن، من الخلود الى التلاشي استلزم تحولا راديكاليا في موضوع الفن، من التأمل في المطلق الى السؤال عن الراهن، بالمعنى الزماني والمكاني معا، الان وهنا، تحرك كل منهما باتجاه معاكس، (الان) تحرك بعيدا عن الزمان المطلق، والـ (هنا) تحرك بعيدا عن المجلة صوب عالم واحد.. لا مطلق. دفتر الثقافة المطلق، الذي نستطيع ان نقلب صفحاته في اي عصر وفي اي مكان، لنقرأ ونحس بالاسئلة نفسها، لم يعد موجودا. ثمة (الآن) و (الهنا)، لا يستطيع ان يعبر عن نفسه الا عبر الوسيلة الزائلة، لانه يفتقد دفتر الثقافة المطلق ولا تعبر الوسيلة الزائلة الا عنه. لقد اصبح فضاء الفن متاحا للجميع، لكل فرد في العالم والفردانية هي ذروة معاني الحضارة المعاصرة، ولذلك اصبح ما كنا نطلق عليه (الفن الشعبي) و (الثقافة الشعبية) في واجهة فضاء الثقافة المعاصرة. انهما يغيران، بالتدريج، معنى الفن ومعنى الثقافة. في التزامن مع ذلك، وعلى نحو غريب، تغير الفضاء الاشكالي للعالم الجديد، لقد اصبحنا مشغولين بـ (الاندماج الثقافي) و (الكونية) و (العولمة) و (صدام الثقافات) و (الارهاب) و (الخصوصية الثقافية) و (الهوية)، هذه المعاني التي يمتزج فيها (الثقافي المطلق) بـ (السياسي المباشر) على نحو اساسي..لعل كثيرا من المثقفين العراقيين يتفقون على ان كاريكاتير مؤيد نعمة كان ابرز ظاهرة ثقافية عراقية في السنوات التي اعقبت سقوط الدكتاتورية في 9/ 4/ 2003. لقد اكتسبت هذه الظاهرة قوتها من انها تقاطعت واندمجت بالتحولات الراديكالية في معنى الفن ومعنى الثقافة، فبازاء ما يجري في العراق من تحول، فشل الفن (الرفيع) في ان يكون ندا للتاريخ الذي يصنع هنا، فماذا تصنع لوحة لا تزال تجتر التأمل في المطلق والابدي؟ ماذا تصنع قصة او قصيدة تكتب بهدوء وروية؟ ماذا تصنع قصة موسيقية تجريدية؟ ماذا يصنع كتاب يطبع على مهل؟ لقد ملأ مؤيد نعمة الفراغ الذي تركه فشل الث

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

الشرطة المجتمعية: معدل الجريمة انخفض بالعراق بنسبة 40%

طبيب الرئيس الأمريكي يكشف الوضع الصحي لبايدن

القبض على اثنين من تجار المخدرات في ميسان

رسميًا.. مانشستر سيتي يعلن ضم سافينيو

(المدى) تنشر جدول الامتحانات المهنية العامة 

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

موظفو التصنيع الحربي يتظاهرون للمطالبة بقطع أراض "معطلة" منذ 15 عاماً

علي كريم: أنا الممثل الأقل أجرًا و"باب الحارة" لم تقدم حقيقة دمشق

كلوب بعيد عن تدريب المنتخب الأمريكي بسبب "شرط الإجازة"

"مشروع 2025".. طموح ترامب يتحول لسلاح بيد بايدن

مقالات ذات صلة

علي كريم: أنا الممثل الأقل أجرًا و
غير مصنف

علي كريم: أنا الممثل الأقل أجرًا و"باب الحارة" لم تقدم حقيقة دمشق

متابعة / المدىأكد الفنان السوري علي كريم، بأن انتقاداته لأداء باسم ياخور ومحمد حداقي ومحمد الأحمد، في مسلسلي ضيعة ضايعة والخربة، لا تنال من مكانتهم الإبداعية.  وقال كريم خلال لقاء مع رابعة الزيات في...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram