TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > .C.V الوزير

.C.V الوزير

نشر في: 9 مارس, 2014: 09:01 م

في عصور ما قبل التاريخ ، كان اختيار المسؤول لشغل منصب في الدولة يخضع لجملة شروط ومواصفات ،مع السيرة الذاتية مكتوبة على رقيم طيني يقدم الى صاحب القرار ليختار المرشح الأفضل ، وبعد موافقة الآلهة ،أي السلطة الدينية ،على صاحب الحظ السعيد ، يصدر القرار النهائي بمنح المنصب الى شخصية ، في اقل تقدير، تمتلك التخصص في مجال عملها ، وقبل يوم من تسلم الوزير الجديد المسؤولية ، يتوجه الى المعبد ليقدم الشكر والعرفان لكبير الآلهة ، ويقسم أمامه بانه سيبذل جهوده في خدمة الدولة والدفاع عن أرضها وسمائها ومياهها ،مع تجديد العهد والولاء لرجال المعبد ، والالتزام بمنح الهدايا العينية والمادية نهاية الشهر قد تصل في بعض الأحيان الى إهداء بنت الوزير الى الإله .
صاحب القرار، الملك او الامبراطور في عصور ما قبل التاريخ ، لا يمتلك صلاحيات مطلقة في اختيار الشخصيات المناسبة لشغل المناصب ، وعليه ان يستشير المعبد في وضع اللمسات الاخيرة على الكابينة الوزارية ، اما قضية الاختيار فتخضع الى عدة اعتبارات ، وقواعد ، فيجب ان يكون المرشح من النبلاء ، حسن السيرة والسلوك ، وسجله المدني خال من ارتكاب جناية مخلة بالشرف ، وعلاقته بالآلهة جيدة ، وقرابينه تعبر عن كرم وسخاء ، ومن يتمتع بهذه المواصفات يحق له الترشح للمنصب ، وحظوظه اكثر من غيره في حال وجود اكثر من منافس ، وليس للعبيد فرصة في ان يكون احدهم مع المنافسين ، حتى وان حمل شهادة عليا برقيم طيني بوزن خمسين كيلوا غراما من الطين المفخور .
مع تقدم الزمن وابتكار العديد من الوسائل لتذليل مصاعب الحياة ، استخدم البردي بدلا عن الرقم الطينية في الكتابة ، فحصل متغير نوعي في تقديم طلبات الترشح للمناصب ، ولكن معايير الاختيار لم يطرأ عليها اي تغيير، وظل طريق للوصول الى المنصب يمر من المعبد الى البلاط ، باستثناءات قليلة جدا، وحتى في العصر الحديث وخاصة في دول المنطقة العربية ظل ذلك الطريق هو الوحيد لحمل الحقيبة الوزارية ، ولذلك ضمت "الكابينة " صهر الرئيس وابن شقيقته ، والمقربين ، ونجل شيخ فخذ العشيرة ، وفي النموذج الديمقراطي اعتمد الاستحقاق الانتخابي في تولي المناصب الوزارية ، من دون مراعاة التخصص والشهادة ، فتراجع الأداء الحكومي ، واستغفر عباد الله ربهم عندما اصبح ابو زيج الهدل وزيرا يحمل لقب صاحب المعالي وفي الوقت نفسه يقود تنظيما سياسيا ، يمتلك فضائية متخصصة ببث السموم الطائفية فضلا عن صحيفة يومية ، تنشر اعلانات الوزارة ،وصور صاحب المعالي ولقاءاته مع شيوخ العشائر لحث الأبناء على الإدلاء بأصواتهم لقائمة الوزير .
السيرة الذاتية للوزير تقول انه حمل السلاح ضد النظام السابق ، يقيم الصلاة بأوقاتها ، يحمل لقب الحاج ، ويترأس هيئة تطبير موكب حسيني ، يطبخ التمن والقيمة في أيام عاشوراء ، وامر منتسبي وزارته بارتداء الحداد لحين حلول موعد فرحة الزهرة ، هذا الوزير يتطلع لشغل منصبه لولاية ثانية ، وسيحقق ذلك لسلوكه الطريق من البلاط الى المعبد .

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

جميع التعليقات 1

  1. ابو اثير

    ألتمس وأطلب... من الشعب العراقي ألأصيل أن يقيم ويفرزن ويسأل السؤال التالي لنفسه ...؟ هل من قضى ثلاثون عاما وأكثر بعيدا عن معانات شعبه اليومية وفي ظل الدولة التي أستضافته سيكون وفيا لشعبه العراقي أم للدولة التي رعى فيها ..هل من المعقول أن يكون أخلاصه ل

ملحق منارات

الأكثر قراءة

العمود الثامن: "علي بابا" يطالبنا بالتقشف !!

العمود الثامن: بلاد الشعارات وبلدان السعادة

العمود الثامن: موجات الجزائري المرتدة

العمود الثامن: المستقبل لا يُبنى بالغرف المغلقة!!

سوريا المتعددة: تجارب الأقليات من روج آفا إلى الجولاني

العمود الثامن: بلاد الشعارات وبلدان السعادة

 علي حسين نحن بلاد نُحكم بالخطابات والشعارات، وبيانات الانسداد، يصدح المسؤول بصوته ليخفي فشله وعجزه عن إدارة شؤون الناس.. كل مسؤول يختار طبقة صوتية خاصة به، ليخفي معها سنوات من العجز عن مواجهة...
علي حسين

قناطر: شجاعةُ الحسين أم حكمةُ الحسن ؟

طالب عبد العزيز اختفى أنموذجُ الامام الحسن بن علي في السردية الاسلامية المعتدلة طويلاً، وقلّما أُسْتحضرَ أنموذجه المسالم؛ في الخطب الدينية، والمجالس الحسينية، بخاصة، ذات الطبيعة الثورية، ولم تدرس بنودُ الاتفاقية(صُلح الحسن) التي عقدها...
طالب عبد العزيز

العراق.. السلطة تصفي الحق العام في التعليم المدرسي

أحمد حسن المدرسة الحكومية في أي مجتمع تعد أحد أعمدة تكوين المواطنة وإثبات وجود الدولة نفسها، وتتجاوز في أهميتها الجيش ، لأنها الحاضنة التي يتكون فيها الفرد خارج روابط الدم، ويتعلم الانتماء إلى جماعة...
أحمد حسن

فيلسوف يُشَخِّص مصدر الخلل

ابراهيم البليهي نبَّه الفيلسوف البريطاني الشهير إدموند بيرك إلى أنه من السهل ضياع الحقيقة وسيطرة الفكرة المغلوطة بعاملين: العامل الأول إثارة الخوف لجعل الكل يستجيبون للجهالة فرارًا مما جرى التخويف منه واندفاعا في اتجاه...
ابراهيم البليهي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram