إن لم يكن هذه الأربعاء، فلينتظر العراقيون أن يخرج عليهم مختار العصر في أي أربعاء، ليخطب "إني أرى رؤوساً أينعت وحان قطافها وإني لصاحبها" ولا تتوقعوا أن يعتلي المنبر، ليعلن أنه "يرى الدماء تمور بين العمائم واللحى"، فقد توفرت لديه منابر بديلة، تتمثل في قنوات يدفع العراقيون كلفة المنافقين العاملين فيها، وقد تبوأ منصبه بعملية ديمقراطية خالصة لوجه الله، نقلته من حي السيدة زينب الدمشقي، ليتولى الموقع التنفيذي الأول، في بلد دفع أبناؤه آلاف الشهداء ليتخلصوا من دكتاتور ظالم، فوقعوا ضحايا عشرات النسخ منه، يُديرهم كبيرهم الذي علمهم الإفك، وهو قابع في المنطقة الخضراء الحصينة.
المالكي قرر نزع الشرعية عن مجلس النواب المُنتخب شعبياً، والذي سلمه مفاتيح السلطة، واتهم رئيسه بالتآمر على الحكومة والعملية السياسية ومحاولة إفشالهما، وتبعاً لذلك قرر صرف أموال الموازنة، سواء صادق المجلس عليها أم لم يفعل، ولم يكتف بذلك، فقرر تقديم طعن بسياق عمل مجلس النواب إلى المحكمة الاتحادية، التي يعرف الجميع أنها لم تعد أكثر من مكتب فرعي مرتبط بمزاجه، لمجرد أن هذا المجلس وعلى علاته، حاول ممارسة شيء من الصلاحيات الممنوحة له بموجب الدستور، والتي انتخبه الشعب للقيام بها، بينما يريده المالكي كبقية المؤسسات، مجرد مكتب فرعي تابع له، كل عمله هو تنفيذ إرادة الرجل، الطامح لولاية لا تنقطع في موقع رئيس الوزراء.
مدهشة قدرة المالكي على استقطاب الأعداء، فهو بعد كل عداوات الداخل مع الكرد والسنة، وقسم لا يستهان به من الشيعة، يتهم السعودية وقطر بإعلان الحرب على بلاده، ويحملهما مسؤولية الأزمة الأمنية التي تعصف بالعراق وأهله، ولم ينس ربط ذلك بالحراك الشعبي المناوئ له في الأنبار ووصفه بالطائفي، لكنه كشف عن ما وراء الاتهام، حين قال إن الدولتين تهاجمان العراق عبر سوريا والخلفيات طائفية وسياسية، وحمّل البلدين مسؤولية أزمات العراق الطائفية والإرهابية والأمنية، وفي ربط واضح الهدف، اتهم البلدين بتجنيد الجهاديين الذين يأتون من أوروبا، ليصل إلى توحيد المعركة في سوريا والعراق، وكأنه لم يتوجه بنفس هذه التهم ضد من يحارب معه اليوم، قبل عدد من السنوات لا يسمح بنسيان أمر كهذا .
تأتي اتهامات المالكي بعد قرار ملك السعودية بمعاقبة من يشارك في أعمال قتالية خارج البلاد، انطلاقاً من سد الذرائع ومنع الإخلال بالأمن كما قيل، طبعاً ليس لعاقل أن يُنكر أن حكام الرياض يدعمون مناوئي الأسد، وليس سراً أن بعض المسؤولين السعوديين، انخرطوا في العمل ضد نظام دمشق، لكن المدهش أن المالكي لم يعلن العداء للسعودية بمثل هذه الحدة، إلا بعد تراجع السعودية خطوات كبيرة عن موقفها السابق، ما يؤكد أن الهدف الشديد الوضوح، هو هروب الرجل إلى الأمام، بمحاولته نقل أزماته الداخلية إلى الخارج، واختراع أعداء لا نظنهم تفرغوا للحرب ضده، ويكفيهم أن العراق إبان حكمه يشهد اليوم تصاعداً في أعمال العنف، هي الأسوأ منذ موجة العنف الطائفي بين عامي 2006 و2008 ، كما يكفيها أن الرجل ببراعته، يفقد كل يوم حليفاً داخل وطنه.
يتهم المالكي بعض السنة، بأنهم يريدون أن يكون الحكم سنياً فقط، وليس شراكة مع الآخرين، وينسى حقيقة أنه ومعه بعض أبناء طائفته والمتسلقين من طوائف أخرى، يريدون أن يكون الحكم شيعياً وله شخصياً وبدون اي شراكة مع الآخرين حتى من أبناء طائفته، وهو لذلك يقاطع المجلس الأعلى ويعاديه، ويشن هجوماً على مقتدى الصدر، ويتهمه بأنه حديث على السياسة، ولا يفهم أصولها، محتسباً لنفسه سنوات دمشق بأنها رصيد خبرة، وكأنه ترك للعملية السياسية أثرا .
المالكي وفن اختراع الأعداء
[post-views]
نشر في: 9 مارس, 2014: 09:01 م
جميع التعليقات 1
رمزي الحيدر
أستاذنا العزيز ،يجب إن تعرف ومن المهم أن تعرف أنه توجد علاقة قوية و ديلاكتيكية وجدليية مابين بيع (السبح) وقيادة دولة.