طالب حسن سعيد لاني لست رسام كاريكاتير فأنني اتعاطى معه كقارىء يبحث عن معاني الواقع وقد تجسد بكل اختزال ورشاقة عبر تلك الخطوط الدقيقة وتلك الحركات التي يمكن ان تصنفها الى مفهوم السهل الممتنع، حيث يعجز الفنان التشكيلي بكل طاقته الابداعية محاكاة الكاريكاتيرات،
اذا صحت تسميته لانه اتخذ من تلك المحاكاة اللا واقعية للشكل والتي تنحو منحى ساخراً ومثيراً للاستغراب والريبة مصدر ابداعها .. هذا الاختزال يحتوي اختزالاً اخر للحدث بالرغم من جسامته او تجذره ما دام منعكساً للواقع بكل تفرعاته وتلك هي غاية الابداع، ولعل هذا الامر لا يتضح بسهولة الا اذا اتخذنا من الفنان مؤيد نعمة مثالاً. فقد رافق ذاكرتنا منذ الطفولة بما زخرت به”لوحاته “ التي تربعت على بعض الصحف في السبعينيات فتمزقت واحترقت تلك الصحف وبقي ما فيها حبيس الذاكرة.. لقد حافظ هذا الفنان على اسلوبه المتفرد منذ ذلك الحين وحتى الان ولم تهن قدرته على ايصال افكاره المنعكسة عن ذلك الواقع المزري وما شهدناه من عهد الاستبداد والظلم حتى سقوط الصنم، ولانك تعرف الرسام. فلا يصعب عليك معرفة ما يعنيه مهما اتخذ من اشكال. وما أخفى من معان لتعليقات يطلقها على لسان شخوص المتفردين بذلك الاتقان الذي لم يألفه الشكل الكاريكاتيري التقليدي معلناً فيه استقلاله بمدرسة فنية مذهلة تتجاوز حدود ورق الجريدة الى مملكة اللوحة التشكيلية بكامل ابعادها ومؤثراتها، ولا ابالغ ان قلت بأن مؤيد نعمة كان يربطنا دائماً عبر اعماله في ذلك العهد المظلم بتلك الذكريات التي كادت تأفل لولا هذا الانعتاق وهذا البحث عن لقاءات جديدة مع افراح جمدت ابتساماتها وانهارت على جفاف الشفاه تقرحات ما زلنا نداويها.. الصدق الذي ربينا عليه ومواويلنا التي ما زالت تداعب صمتنا.. مصداق حبنا لهذا الوطن الذي افرغ كل جراحه فينا فكبرنا مع جراحه وشابت نواصينا نفسه يبارك لنا سعينا في بناء عهدنا الجديد واستعادة كل صور الامل وقد وجدت في هذا المبدع كل مثابرة على ان يقول ما يعجز عن قوله الكاتب والمنظر السياسي مهما برع في تحليل الواقع او استذكار الماضي لان الكاريكاتير بالرغم من عدم احتلاله مساحة كبيرة على الورق لكن مساحته المرئية اكبر بكثير حيث تنجذب اليه العيون بعيداً عن المستوى الثقافي او عن محيط القراءة وقد فطنت لهذا الامر بعض الصحف التي تتعاطى معه لكي يتصدر صفحاتها الاولى او يكون الموضوع الرئيسي في عرف الصحافة/ وبعيداً عن الاسفاف و السطحية التي تصل حد السذاجة لبعض ما نطالعه من اعمال تكاد تشتم وتسخر من كل شيء بما فيه الايجابي وتضع الجميع موضعاً للتندر المفرغ من عمق التحليل الواعي، نجد مؤيد نعمة وقد استرسل في قراءة معمقة مفعمة بالجد، رغم خبث او قبح او بشاشة شخوصه الذين تكاد تعرف بعضهم بمجرد تأمل تلك الخطوط وتلك التقاطيع.. لكنك تبتسم على كل حال امام تلك الكوميديا السوداء او ترتعب، امام تلك الحقيقة التي تتربص بها الدوائر. واذ يرسم بعض الناس بوجوه بليدة او متبلدة الاحاسيس تجد شخوصه وقد انفجر صراحتهم ليقرع سمعك او صراخهم من خيبة امل او تسمروا امام ارهابي يقطع الرؤوس، او ساروا حاملين جنازة لميت جلس في تابوته لتمتد يده الى جيب مشيعيه، وتلك هي بليتنا حيث مات نظام الطاغية او ادعينا ذلك لكن يده تعبث بخيرنا ومصيرنا.. اذن عملت رسوم مؤيد نعمة لتكون ملصقات سياسية يومية لواقع يجب ان نتحكم به دون سوانا.
مؤيد نعمة.. الفن الذي احتوى السياسة
نشر في: 18 نوفمبر, 2009: 03:42 م