قبل أي حديث عن صفقة الإفراج عن راهبات معلولا، فإن من الواجب التقدم لهن بالاعتذار، باسم الكرامة الإنسانية التي جرى هدرها، والمتاجرة بها بصفاقة وخبث، بعد احتجاز دام لشهور في الكهوف المستنسخة من تورا بورا، بكل ما فيها من ظلامية وجهل وتخلف، يتغنى بها جهلة لايفهمون من الإسلام غير حق الفتح والتمكين، ما يوجب تذكيرهم بأنه لولا المسيحية العربية المشرقية، التي انتفضت على الرومان ورحبت بالمسلمين، لما كان الإسلام انتشر في بلاد الشام وغيرها بالصورة التي تجلت في العهدة العمرية، حين دخل ابن الخطاب القدس يتوكأ على عصاه، ففتحت له أبواب كنائسها، باسم سلام البشرية المرفوض اليوم من الدواعش والنصرة، ومن يدعمهم ويشد على أيديهم ويؤازرهم ويمولهم، من السلفيين والإخوان وتجار الحروب، والباحثين عن أدوار تفوق أحجامهم أيضاً.
زعم أنصار الأسد أن التطورات الميدانية في منطقة القلمون، وقرب دخول قواته إلى يبرود، فرضت على جبهة النصرة حل قضية راهبات معلولا المخطوفات، وبحيث تنازل الخاطفون عن سقف مطالبهم المرتفع، وبدأوا بخفضها بعد فُقدان ورقتهن قوتها التفاوضية، ولم تعد قابلة للمساومة بأسعار مرتفعة، وهنا برز الدور القطري المُعتاد على الرشوة، لتحقيق مكاسب سياسية ودعائية، وتم الاتصال بين شخصيات أمنية من قطر ولبنان، للسير في الصفقة التي وصلت نهايتها، مُعلنة أن المشيخة الباذخة الثراء والطموحات تتقدم بورقة لأعدائها القدامى، تعلن فيها مغادرتها كلياً للضفة الأخرى، ورغبتها في دور وساطة يحفظ توازنها، بعد تحجيم أدوارها المأمولة.
بالطبع حاول طرفا الصراع استغلال الموقف، إذ جرى الحديث عن فدية مالية باهظة،دفعتها قطر "عن طيب خاطر"، للتدليل على أن جبهة النصرة مجرد بندقية للايجار، وهي ربما تكون كذلك، لكن اللحظة لاتحتمل هذه المهاترة، وحينما كانت أجهزة النظام تتحدث عن محنة الراهبات، كن يقمن بشكر خاطفيهن على حسن المعاملة، ويؤكدن تنازلهن عن حمل الصلبان طواعية، لعدم مناسبة الموقع والظرف لذلك، وكان تصرف طرفي الصراع بشعا، يدل على الاستهانة بإنسانية الإنسان أولا، وبرسالة السلام والمحبة التي نذرت الراهبات حياتهن لها، وأقذر ما كان هو رفض بعض المتطرفين لمبادلة رسولات المحبة بـسوريات من طوائف أخرى، باعتبار أن معتقلي الجيش أولى بالمبادلة، تلك واحدة من الإفرازات النتنة للطائفية والحقد والتعصب، وهي الابن الشرعي للمعارك المحتدمة منذ ثلاث سنوات على أرض الشام.
المهم أن الدوحة سعت لتقديم خدمة ناجزة لنظام الأسد، لكن المعطيات أخذتنا الى حقيقة أن دمشق أثبتت استغلالها لأية حادثة، لشيطنة الثورة بقضها وقضيضها، غير أنه في هذه المرة "لم تأت العتمة على قدر يد اللص"، تم الافراج عن سوريات مسلمات مقابل سوريات مسيحيات، ما يؤكد اعتماد النظام لنظرية التعاطي مع الأقليات كدروع بشرية، والتعامل مع المواطنين بحسب ديانتهم ، نازعاً عن الراهبات "كمثال" صفة المواطنة، بالتعامل مع قضيتهن على أنها تخص مسيحيات فقط، وليس سوريات مسيحيات مُكرساً بذلك جهنمية التعاطي مع السوريين كطوائف متنازعة، لاتجمعها مصلحة وطنية، بقدر ما يفرقها التناحر حد الاستئصال والنفي .
جاء المشهد الاخير ليؤكد خطيئة جبهة النصرة في اختطاف الراهبات، وقد أدرن لهم الخد الأيمن بعد تلقيهن الصفعة على الأيسر، تعبيراً عن التسامح المفقود عند الإسلامويين، وليكشف خطيئة النظام باعتماده سياسات طائفية، سيدفع السوريون ثمنها لاحقاً، وليؤكد أن التقرب من الخالق باعتباره محبة وبهاءً أقوى من الجميع، وسلام على راهبات معلولا حين اختطفن، وحين يعدن إلى ديرهن لمواصلة صلواتهن، مبشرات بالسلام لكل السوريين.
معلولا وراهباتها
[post-views]
نشر في: 11 مارس, 2014: 09:01 م