تمكن الوثائقي التلفزيوني «صوت التعذيب» عبر الخليوي، ومقدمة البرنامج الإذاعي المحلي الإرتيري من ستوكهولم، من عرض حالة اللاجئين الإرتيريين المأسوية في شمال صحراء سيناء وما يتعرضون له من صنوف التعذيب والتهديد بالقتل على أيدي خاطفيهم، إذا لم
تمكن الوثائقي التلفزيوني «صوت التعذيب» عبر الخليوي، ومقدمة البرنامج الإذاعي المحلي الإرتيري من ستوكهولم، من عرض حالة اللاجئين الإرتيريين المأسوية في شمال صحراء سيناء وما يتعرضون له من صنوف التعذيب والتهديد بالقتل على أيدي خاطفيهم، إذا لم يستجب أهاليهم لمطالبهم بدفع «جزية» مالية مقابل الإفراج عنهم. لمعرفة أسباب وصول هؤلاء الإرتيريين إلى المنطقة الصحراوية الخطيرة، يقدم الوثائقي الإسرائيلي الذي عرضه التلفزيون السويدي ضمن برنامج «وثائقي من الخارج» وقبل كل شيء نبذة عن الخلفية السياسية التي دفعت كثراً من الإرتيريين إلى مغادرة بلادهم هرباً من النظام العسكري الديكتاتوري الذي حكم البلاد منذ العام 1993 وممارساته الوحشية ضد معارضيه الذين يُجبر الآلاف منهم على ترك البلاد بحثاً عن مكان آمن يؤويهم، وغالباً ما تكون وجهتهم إسرائيل التي يحاولون الوصول إليها عبر السودان مروراً بصحراء سيناء.
لكنّ حظ بعضهم العاثر يسقطهم أحياناً بأيدي مجموعات إجرامية تكمن لهم في الصحراء وتمسك بهم لتساوم أقاربهم وأهاليهم عليهم، على النحو الآتي: «إما أن تدفعوا وإما سنقتلهم». المشكلة أن المبالغ المطلوبة كبيرة، بين 30 إلى 40 ألف دولار، يعجز أقارب المخطوفين عن دفعها لفقرهم، ما يعرض المختطف لصنوف التعذيب الجسدي والنفسي كنوع من الانتقام والضغط القوي لإجبار الأهل على تأمين المبالغ بأي وسيلة كانت.
ليس هذا فحسب، إذ يكون في انتظار الهاربين من قمع السلطة الإرتيرية، أو حتى الراغبين في الهجرة (وصل عددهم خلال السنوات العشر الأخيرة إلى زهاء ربع مليون شخص)، النيران: إسرائيلية ومصرية، غير نار المسلحين. فحرس حدود البلدين يعاملهم كمتسللين غير شرعيين وقد يطلق عليهم الرصاص إذا لم يستسلموا لأوامره، والتراجيدي في حالة هؤلاء العابرين إلى المجهول، أنهم يضطرون إذا تخلصوا من العصابات المسلحة، للوقوف على أسوار حدود إسرائيل في العراء لأيام طويلة من دون ماء وغذاء، وإذا دخلوها فإنهم يعاملون كأشخاص غير شرعيين لا يتمتعون بحقوق مدنية ولا تشملهم قوانين اللجوء الدولية.
تكاد المكالمات الهاتفية المباشرة مع مقدمة البرنامج الإذاعي المحلي الإرتيري من ستوكهولم، أن تكون «أصوات إرتيريين من معسكرات الاعتقال»، الصحافية ميرون استفانوس، صلة المحتجزين الوحيدة بالعالم الخارجي، فخاطفوهم لا يسمحون لهم سوى بالاتصال عبرهم بأهاليهم ليوصلوا إليهم مطالبهم. لهذا السبب، حظي البرنامج بشعبية بين الإرتيريين وعبره كانت تتم بعض عمليات تأمين وجمع المبالغ المطلوبة إلى المسلحين، إلى جانب عرضه تسجيلات حية موثقة للمتصلين المتعرضين للتهديد والتعذيب إلى المنظمات الدولية التي لم تساهم وفق رأيها في الدور المطلوب في مساعدة هؤلاء. «لا أحد يصدقني ولا أحد يمد يد المساعدة لهؤلاء المنسيين في الصحراء، ويتعرضون للموت والتعذيب كل يوم».
شهـــادات النســـاء المغتصــــبات والرجال المعذبين جمعها الوثائقي التلفزيوني وأخذها إلى إســـرائيل ورفح، مع الصحافية الإرتيرية التي التقت بكثــــير منهم في تل أبيب ووجدتهم يعيشون في مناطــــق تزدحم بهم، وكأنهم وفق وصفها يعيشون فـــي «أفريقيــا» يفترشون الطرقات ليناموا فوقها ليلاً.
هاجس كثر منهم تخليص أقاربهم من عذاب الاحتجاز الصحراوي الرهيب الذي كشف عنه بعض الناجين عبر تجاربه الشخصية المؤلمة، التي دفعت الصحافية للذهاب إلى مصر وعبر صحراء شمال سيناء لتصل إلى رفح حيث تم حجز الكثير من المهاجرين في بيوت يملكها مهربون وقاطعو طرق، ولم تستطع دخولها خوفاً من تعرضها للخطف. لهذا، نزلت عند بعض أهالي المنطقة الذين دانوا عمليات الاختطاف ووصفوا القائمين عليها بأنهم مجموعة من المنبوذين الذين لا يتعاطون معهم أبداً ويعاملونهم كمجرمين خارجين على القانون، أعدادهم محدودة، ولا تمثل مطلقاً أخلاق أهالي المنطقة.
خلال وجودها هناك ساومت الصحافية أحد الخاطفين على مجموعة من الأطفال الذين احتجزهم وطلب في مقابل إطلاقهم أربعين ألف دولار ولم يتنازل عن هذا الرقم أبداً.
على الجانب المصري التقت أحد الناشطين المدافعين عن حقوق الإنسان ويدعى أحمد وهو عرض عليها صوراً لإرتيريين قتلوا بالمقربة من جدار فاصل بين رفح ومصر، وقال إنه يحاول توثيق بعض التفاصيل عنهم في حاسوبه الشخصي ويؤمن دفنهم بما يليق بهم كبشر.
ينتهي الوثائقي بعرض صور فظيعة لحالات التعذيب التي يتعرض لها اللاجئون الإرتيريون في صحراء شمال سيناء، إضافة إلى مشهد عام لحالتهم المزرية في إسرائيل التي تطلق عليهم لقب «المتسللين» لتتجنب تقديم أي مساعدة إنسانية لهم ولتتركهم نهباً للأخطار والعيش في رعب دائم.