محمد مزيد الصين عملاق اقتصادي .. والصين عملاق بشري .. والصين عملاق عسكري، ويقال ان ارث الحكمة يمتد فيها الى اعماق التاريخ، يصل الى خمسة الاف عاما، ولذلك فأن متصفحي التاريخ لن يقولوا ان كونفوشيوس وحده سيكون اشهر حكماء الصين،
باعتباره ذلك الفيلسوف الذي تتلمذت البشرية على منطوق جملته الشهيرة " المعرفة سلطة " . وازعم ان المعرفة هي التي جعلت هذا البلد يتفوق على نفسه ليستطيع اشباع مليار وثلاثمائة مليون إنسان، وبالطبع أكساؤهم أيضاً، واذا ما امضى الرئيس الاميركي اوباما اياما فيه يحاور قادته، فانه هو الذي يعرف جيدا انه يحاور حفدة كونفوشيوس، الذين لا يسمع لهم صوت .. الانباء تقول ان اتفاقيات عالية المستوى جرى توقيعها بين البلدين برغم الخلافات التجارية، التي لم تمنع من نجاح المباحثات في شؤون اخرى كالمناخ والامن وغيرها . واحدة من تلك الخلافات التجارية ان الصين تعترض على الرسوم الكمركية التي تضعها اميركا ضد بضائعها، غير أن اميركا بالقدر نفسه تتهم الصين بابقاء عملتها ضعيفة بهدف تسويق منتجاتها وتشجيع المستهلكين على اقتنائها .. تبادل الحديث بين فريقي الاختلاف الصيني الاميركي عادة ما يبقى اقل من مستويات التشنج والتوتر، فبقدر ما تمتلكه الصين من الحكمة الممتدة الى الاف السنين، فانها هي التي تعرف مقابل اي طرف عنيد وقوي وثري تتباحث وتتحاور وتتفاهم، وقد تشاركه قيادة او معالجة مشكلات العالم المتفاقمة . ولذلك فأن اوباما لم يفوت الفرصة في امتداح الصين وهو يثني على جهودها في انتشال الملايين من الفقراء الصينيين، كما انه باركها على جهودها في الملف النووي الكوري الشمالي باستدراج "الزميلة الشيوعية" الى طاولة مفاوضات الدول الست الكبار. اوباما يقول ان الصين والولايات المتحدة ليستا بحاجة لان يكونا أعداء، وهو يتجه الى تسويق مضمون العلاقة الايجابية بين الطرفين، واذا ما جرى النقاش بشأن حقوق الإنسان في الصين، فأن ذلك لن يكون محط "مثلبة" في العلاقة التي يراد لها ان تكون متطورة في المستويات كافة، غير ان همس أميركا باذن الصين بضرورة معالجة قضايا التبت وحقوق الإنسان وموضوع السجون السوداء قد قوبل بالتجاهل الإعلامي، والابتسامات الصينية "الصفراء" التي لا تقول شيئاً. السجون السوداء في الصين هي فنادق على شكل معتقلات، والكلام هنا على ذمة المنظمة الانسانية هيومن رايتس، التي تقول انه يسجن فيها من يأتي الى العاصمة بكين لتقديم شكوى ضد حكام الأقاليم، وتقول المنظمة، ان وجود هذه السجون يسخر من مزاعم الصين بتحسين حقوق الإنسان واحترام سيادة القانون، وقد نشرت احدى الصحف الاسبوعية الصينية (تشاينا ديلي) تقريرا بشأن احد حراس السجون السوداء اتهم باغتصاب امرأة في العشرين كانت محتجزة في تلك السجون. الإعلام الصيني الرسمي يتجاهل على الدوام اي كلام عن السجون وحقوق الانسان كما فعل بومضات الكلام للرئيس الضيف عن حقوق الإنسان، ولم يعره أية أهمية وبقي يركز على اطار قيام العلاقة النموذجية بين البلدين، العملاقين، اقتصاديا وبشريا وعسكريا .
نافذة على العالم: الصين واميركا .. والاختلالات التجارية
نشر في: 18 نوفمبر, 2009: 05:27 م