TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > الحُبّ من الزواج المقدّس إلى النزهة الرومانسية

الحُبّ من الزواج المقدّس إلى النزهة الرومانسية

نشر في: 15 مارس, 2014: 09:01 م

القسم الأول
الحب والمخيلة ضدّا الموت  وبين الحب والموت عماء الالتباس بين نور وعتمة وحيوية وركود ، فالموت هو الخلل  الموجع الممتد  بين الوجود و اللاوجود،  ينازع الوردة شغف الضوء، والرغبة رعشة الريح ، حقيقته الأرضية ماثلة في عجزنا عن الحب  بعجز مخيلاتنا ،      فالحب إبداع مخيلة حية  ووعي  متفتح  وبسالة إنسانية  فقدناها في أيامنا  هذه ، فاقتحم   الموتَ   شوارعنا ومخادعنا  واختطف العشاق والصبايا  والمسكونين بالأمل ،فعند غروب الحب غافلنا الموت  واحتل لحظتنا  وصار ينام على وسائدنا ولكن  لا الحب استسلم للموت ولا الموت استثنى الحب .  
  لقد  قالها  جلال الدين الرومي "الحياة تآلف بين الأضداد  وما الموت إلا قيام للحرب بينهما"   أوجز الرومي  المسافة بين الموت والحياة بكلمة التآلف   التي تتضمن جميع معاني الشغف والتعلق  والهوى  والحب والعشق ،وها نحن نعيش  الموت  في حرب الأضداد  ، فمن  يعيد توازن الوجود وتآلف  الأضداد  المتناقضة ؟ ومن يعيد  تتويج الحب  ليتألق على عرشه  المهجور ؟  لا شيء سوى  الفن ، لا أحد سوى الفنانين  ومبدعي الجمال وخالقي النغم ومدوني الحكايا  ومؤسسي  الروايات العظيمة ، تمتد إليهم  أنساغ  شجرة الحب   الأزلية النابتة من نصوص عشاق سومر حيث منح الأدب الرافديني القديم  صفة إلهية  لنصوص الحب الجريئة  ووسمها بالجلال  والقدسية  المطلقة ، فالحب هو البدء وسر الحياة وسبب ديمومتها ومفجر إبداعاتها الجميلة .
 لبثت صورة الحب  واحدة عبر  العصور القديمة، لكنها اختلفت عند تحويلها  إلى مصطلحات ومفاهيم للتداول فأحاطها البشر بجملة من الأوهام التي أفرزتها  الفذلكات اللغوية  والتخيلات  والاستيهامات  فللغة سطوتها على البشر وللخيال  قدرته  في ترسيخ  صور محددة عن  الأنشطة الإنسانية والرغبات  والمشاعر ، لذا عمدت كل سلطة حاكمة إلى استخدام  اللغة  استخداما متعسفا لتقنين صور الحب  عبر ما تشيعه من أوامر  وما تسنه من  قوانين    تدعي أنها  منزّلة من السماء ،فتماوجت صورة الحب  القلقة  وامتثلت في ظاهرها لسلطة الأديان والشرائع والمعتقدات حينا ، ثم تأطرت في كل عصر بحصيلة من خبرات  الأفراد  ونمط الثقافات السائدة التي تفرضها القوى الحاكمة   حتى  رسخ  كل نظام سياسي  ثقافته    وطوّق  الحياة الإنسانية  بالطريقة التي تحفظ دوام هيمنته.
 في القرن العشرين قبل الميلاد كانت مجتمعات وادي الرافدين  وبخاصة المجتمع السومري تنظر إلى موضوعة الحب نظرتها إلى شأن مقدس متصل بالآلهة  باعتباره  نشاطا  يفضي إلى  استمرار الحياة والجنس البشري عن طريق  رمزية اتصال  الملك بالكاهنة  العظمى في طقس الزواج المقدس  لتتنقل قوة الخصب  والوفرة  رمزيا إلى البشر والكائنات الأخرى والطبيعة أجمعها .و لم يكن الحب مقسما بين  حب دنيوي  وحب مقدس  بل كان  مقدسا  على نحو مطلق  وكانت قصائد الحب والغزل  تستخدم الاستعارات الرمزية من الطبيعة للتعبير عن جمال المحبوب  كثمرة  التفاح وحقول القمح وأعمدة الرخام، كما استخدمت استعارات البساتين والرياض  كإطار جمالي لتصوير مشاهد الحب  الساحرة  في الشعر والمنحوتات.
  وعبر آلاف السنين تغيرت  صورة الحب المقدس  تحت تأثير العقائد والديانات والفلسفات التي ظهرت في الشرق والغرب وتحكمت  بسلوك البشر ومشاعرهم وتناوبت أو تقاطعت الفلسفة الطاوية مع المانوية  والهندوسية  والصوفية المسيحية والإسلامية في  رؤيتها  لصورة الحب  وتأويلاتها  له ، ثم   أُقحِم الحب خلال الحقب التاريخية اللاحقة في أساطير القتال عندما طغى خطاب الحرب على فترات السلام القصيرة مابين الإمبراطوريات المتناحرة ،فتحول الحب إلى ما يشبه المعركة بين قناص وفريسة بقصد الإخضاع  والتسلط  على الضعيف المهزوم  لتنبثق إثر ذلك النزعات الرومانسية رداً على الحب الفروسي.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

جميع التعليقات 2

  1. نهى عبد الكريم

    تتحفنا الاديبة الكبيرة لطفية الدليمي بثمة موضوعات راقية فيها من الفلسفة والمعاني الانسانية الممتدة عبر الاتاريخ الانساني اتمنى على من يقرأها ان يستنبط المعاني التي يمكن توظيفها في واقع اليوم لنتخلص من وحشيته المفرطة علنا نتخلص من شرك الحاضر المعتم ونقتنص

  2. حسام العكيلي

    اختي العزيزة الدليمي رغم صحة ماتقولين لكن هناك بعض الخلط بالمصطلحات ساهم في ازالة الحقيقة.. اولاً لم يكن الموت ممتد بين الوجود واللاوجود بل هو ممتد بين وجود ندركة ووجود لاندركة .كما لو فرضنا ان الجنين في بطن امه يعي واراد شخص ان يصف له هذا العالم عالم الد

ملحق معرض العراق الدولي للكتاب

الأكثر قراءة

العمود الثامن: نصف قرن من التفوق

البَصْرة.. لو التَّظاهرُ للماء والنَّخيل!

كلاكيت: في مديح مهند حيال في مديح شارع حيفا

العمود الثامن: نون النسوة تعانق الكتاب

التلوث البيئي في العراق على المحك: "المخاطر والتداعيات"

العمود الثامن: سياسيو الغرف المغلقة

 علي حسين في السبعينيات سحرنا صوت مطرب ضرير اسمه الشيخ امام يغني قصائد شاعر العامية المصري احمد فؤاد نجم ولازالت هذه الاغاني تشكل جزءا من الذاكرة الوطنية للمثقفين العرب، كما أنها تعد وثيقة...
علي حسين

زيارة البابا لتركيا: مكاسب أردوغان السياسية وفرص العراق الضائعة

سعد سلوم بدأ البابا ليو الرابع عشر أول رحلة خارجية له منذ انتخابه بزيارة تركيا، في خطوة رمزية ودبلوماسية تهدف إلى تعزيز الحوار بين المسلمين والمسيحيين، وتعزيز التعاون مع الطوائف المسيحية المختلفة. جاءت الزيارة...
سعد سلّوم

السردية النيوليبرالية للحكم في العراق

احمد حسن تجربة الحكم في العراق ما بعد عام 2003 صارت تتكشف يوميا مأساة انتقال نموذج مؤسسات الدولة التي كانت تتغذى على فكرة العمومية والتشاركية ومركزية الخدمات إلى كيان سياسي هزيل وضيف يتماهى مع...
احمد حسن

الموسيقى والغناء… ذاكرة الشعوب وصوت تطوّرها

عصام الياسري تُعدّ الموسيقى واحدة من أقدم اللغات التي ابتكرها الإنسان للتعبير عن ذاته وعن الجماعة التي ينتمي إليها. فمنذ فجر التاريخ، كانت الإيقاعات الأولى تصاحب طقوس الحياة: في العمل، في الاحتفالات، في الحروب،...
عصام الياسري
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram