TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > خندق بغداد!

خندق بغداد!

نشر في: 15 مارس, 2014: 09:01 م

كانت الخنادق جزءاً حيوياً من الاستراتيجيات الدفاعية للإمبراطوريات والممالك القديمة، لمنع تقدّم القوات المعادية الغازية إلى داخل العواصم والمدن الرئيسة والاستيلاء عليها. بيد أن ذلك العنصر الدفاعي سقط في القرون الحديثة ولم تعد له قيمة تُذكر.
في العصور القديمة كانت الجيوش تزحف راجلة أو على ظهور الحيوانات، وبخاصة الخيل، وكانت الخنادق والأسوار والقلاع وسائل دفاعية مجدية، لكن مع اختراع المدافع والآليات العسكرية المتحركة على الأرض ثم الطائرات، تحولت الأسوار والقلاع الى شواهد أثرية، فيما اختفى كل أثر للخنادق.
بغداد التي لم يُشقّ حولها خندق في أي عهد من العهود، ستعود القهقرى الان الى أزمان القرون الوسطى وما قبلها. قيادة عمليات بغداد عجزت، في ما يبدو، عن إيجاد الحلول الناجعة لمشكلة الإرهاب الذي تتعرض له عاصمتنا على مدار اليوم والساعة، فرأت أن تحفر خندقاً حول العاصمة "لمنع دخول السيارات المفخخة والإرهابيين" ولـ"الحد من التفجيرات"، بحسب ما صرح به النائب عن دولة القانون محمد الهنداوي أخيراً.
المشكلة أننا نخشى أن يُحفر الخندق الذي لابدّ سيكلف عشرات ملايين الدولارات، و"تتلعوص" الأمور والأشياء في المناطق المحيطة بالعاصمة التي سيخترقها الخندق، ثم لا نلمس أثراً ذا قيمة له على الصعيد الأمني. هذه الخشية تنطلق من تجارب عديدة سابقة، فلطالما أعلنت قيادة عمليات بغداد وغيرها عن خطط وبرامج جديدة قيل لنا وقتها أنها ستكون فعالة في مكافحة الإرهاب وتجفيف منابعه البشرية ومصادر تمويله، وها نحن اليوم نعاني من الإرهاب كما لو أن تلك الخطط والبرامج لم توضع ولم يعمل بها أحد.
ومصدر الخشية أيضاً أننا بدأنا في الآونة الأخيرة نسمع تبريرات لعدم السيطرة على التفجيرات بأن المفخخات والعبوات والأحزمة الناسفة تُصنع محلياً في الأحياء والمناطق السكنية. وفي هذي الحال ما الذي سيفيد به الخندق الذي سيخنق بغداد؟
بالمنطق، في عصر التطور التكنولوجي العاصف لا يمكن لأي وسيلة أو أداة أو أسلوب في مجال الأمن أن تنافس أجهزة الاستشعار والكشف عن بُعد على المواد المتفجرة. فشل أجهزة الكشف المستخدمة حالياً في نقاط التفتيش ليس معناه أن كل أجهزة الكشف الإلكترونية فاشلة. الأجهزة الحالية فاشلة لأنها حصيلة صفقة فاسدة، فأجهزة الكشف الحقيقية استبدلت بها "ملاعيب" للأطفال لسرق الكبير في السعر. ومن شأن صفقة نظيفة يعقدها مسؤولون غير فاسدين في دولتنا، أن تغمر شوارعنا ودرابيننا بأجهزة قادرة حقاً وفعلاً على الكشف عن السيارات المفخخة والعبوات والأحزمة الناسفة، والوصول إلى أوكار الإرهابيين. وبين هذه الأجهزة كاميرات المراقبة المتواصلة المستخدمة في كل مدن العالم الكبرى، ليس فقط لمنع حصول العمليات الإرهابية وإنما أيضاً للحد من الجرائم العادية وانتهاك قوانين المرور.
يا قيادة عمليات بغداد .. بدل العودة الى الماضي السحيق وأساليبه وأدواته فكروا بالأنظمة الإلكترونية المتطورة، فنحن أبناء القرن الحادي والعشرين.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

جميع التعليقات 3

  1. جوان امين

    وهل عادوا بنا الى القرون الاولى في هذا الشأن فقط؟ وهل بقي مجال من مجالات الحياة لم تخضع للعودة القسرية الى عصور الجاهلية هذه المبادرة هي خطوة اخرى عملية باتجاه التكامل على كل الاصعدة في مخطط النكوص.

  2. ابو اثير

    أستاذنا الفاضل ...مشكلة ألأرهاب عندنا هي أن ألأرهاب الذي يضرب الشعب العراقي هو أرهاب السلطةوألا كيف تفسر وصول شاحنة صهريج محملة بألمتفجرات من الفلوجة الى أطراف مدينة الحلة وتمر بأكثر من خمسين سيطرة عسكرية هذا أذا أضفنا معلومة بأن مدينة الفلوجة محااصرة منذ

  3. رمزي الحيدر

    الى من توجه مقالك ،أنت لا تعرف أن الشخص الأُمي لا يستطيع قراءة حرف واحد مما تكتبه.

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

العمودالثامن: في محبة فيروز

الفساد ظاهرة طبيعية أم بسبب أزمة منظومة الحكم؟

العمودالثامن: تسريبات حلال .. تسريبات حرام !!

قناديل: (قطّة شرودنغر) وألاعيب الفنتازيا

العمود الثامن: ليس حكماً .. بل مسرحية كوميدية

العمود الثامن: ليس حكماً .. بل مسرحية كوميدية

 علي حسين قالوا في تسويغ الافراج عن بطل " سرقة القرن " نور زهير ، ان الرجل صحى ضميره وسيعيد الاموال التي سرقها في وضح النهار ، واخبرنا القاضي الذي اصدر قرارا بالافراج...
علي حسين

العراق بانتظار العدوان الإسرائيلي: الدروس والعبر

د. فالح الحمــراني إن قضية أمن البلاد ليست ذات أفق عسكري وحسب، وإنما لها مكون سياسي يقوم على تمتين الوحدة الوطنية والسير بالعملية السياسية على أسس صحيحة،يفتقدها العراق اليوم. وفي هذا السياق يضع تلويح...
د. فالح الحمراني

هل هي شبكات رسمية متشابكة أم منظمات خفية فوق الوطنية؟

محمد علي الحيدري يُشير مفهوم "الدولة العميقة" إلى شبكة من النخب السياسية، والعسكرية، والاقتصادية، والاستخباراتية التي تعمل خلف الكواليس لتوجيه السياسات العامة وصناعة القرار في الدولة، بغض النظر عن إرادة الحكومة المنتخبة ديمقراطيًا. ويُعتقد...
محمد علي الحيدري

الليبرالية والماركسية: بين الفكر والممارسة السياسية

أحمد حسن الليبرالية والماركسية تمثلان منظومتين فكريتين رئيستين شكلتا معالم الفكر السياسي المعاصر، وتُعدّان من الأيديولوجيات التي لا تقتصر على البعد الفلسفي فحسب، بل تنغمس أيضًا في الواقع السياسي، رغم أن العلاقة بينهما وبين...
أحمد حسن
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram