بات رئيس حكومتنا قلقاً اكثر من اللازم على نتائج انتخابات نيسان كما يبدو، والدليل غضبه المنفلت على الاحزاب الشيعية التي نجحت خلال اقتراع مجالس المحافظات، في اجباره على التراجع الكبير، ووحدت صفوفها منتزعة منه بغداد والبصرة (رمزا السياسة والمال والتجارة).
ورغم ان المالكي هرع الى حرب الانبار محاولاً ترميم صورته المهزوزة عند الجمهور، ورغم كل التحشيد والتصفيق، الا انه لا يزال متوجساً من تراجع جديد في الثلاثين من الشهر المقبل، يسهل عملية استبداله. ولذلك لا يتمالك المالكي نفسه، ولا يتحرج من اعلان ما يلازمه من هستيريا وتشنج، ويبدو من الصحافة المقربة عليه، انه يحاول "البحث في الدفاتر العتيقة" عن اي مثلبة قد تفلح في تقليل شعبية خصومه الشيعة.
وفي اطار قلق المالكي المتصاعد على نتائج الانتخابات وحظوظه المتراجعة في الولاية الثالثة، فإن تلفزيونات الحكومة (التي اصبحت كثيرة جداً هذه الايام) تستبسل على نحو مثير للشفقة، في التمجيد بمنجزات رئيس الحكومة، وكانت احدى التلفزيونات تعيد مراراً وتكراراً، لقطة للسيدة يانا هيباشكوفا مندوبة الاتحاد الاوربي، وهي تلقي كلمة في مؤتمر مكافحة الارهاب، وتقول بعربية ركيكة (وأنا ممتن لكل اجنبي يتحدث العربية حتى لو بركاكة): لقد اصبح المالكي اليوم زعيماً لنا (اوربا) في مكافحة الارهاب!
وليست المشكلة في رغبة المجاملة او التأدب او الشفقة على حال بغداد، التي جعلت السيدة الاوربية تقول ذلك عن صاحبنا، لكن المأزق في النشوة التي جعلت انصار المالكي يتشبثون بالتصريح ويعيدون بثه كفاصل اعلاني، عشر مرات يومياً، بينما يتقافز الموت بين مخادع العراقيين، ويضع الجميع في حرج تاريخي، الا المالكي الذي تحول بفضل موت آلاف الناس، الى زعيم لأوربا في مكافحة الارهاب، مستنداً الى الخبرات العظيمة التي تحيطه في مكتب القائد العام، والتي كان مقرراً ان "تقضي" على داعش خلال اسبوع، ثم "حلا لها الجو" في ربيع الصحراء الغربية، وهاهي منذ ٣ شهور تخوض معارك غامضة، وتحيط كل شيء بالتعتيم الاعلامي، ولا شيء يوضح لنا الموقف سوى بيانات الهلال الاحمر التي تقول ان نصف مليون عراقي نزحوا من الانبار حتى الان، اثر العمليات العسكرية التي يخوضها "قائد اوربا في مكافحة الارهاب" ضد ٣٠ شخصاً من داعش كانوا يتواجدون في اعتصام الرمادي!
لكن يبدو لي ان من حق الدبلوماسية الاوربية ان تمتدح المالكي وتثني عليه، وتتناسى كل خيباتنا، فأوربا غير مسؤولة عن "تخلفنا السياسي وفشلنا الديمقراطي"، أولاً، وثانياً فإن اخطاء بغداد السياسية اصبحت المغناطيس الذي يجذب الانتحاريين الى العراق ويسمح للاوربيين أن يناموا ملء جفونهم عن شوارد داعش وأخواتها، الذين انشغلوا بتقتيلنا والسخرية من قائدنا العام. كما ان دول الغرب تشعر بامتنان كبير، طالما لم يؤثر الفشل الامني، على تدفق النفط الذي تذهب ٢٠، مليار دولار سنوياً من عوائده الى شركاتها (طبعا المبلغ قليل مو بحقهم) التي تقول انها منهمكة بتطوير صناعتنا النفطية، وليست مسؤولة بالطبع عن تطوير قدراتنا العقلية او لياقاتنا السياسية.
لكن المالكي الذي خلعت عليه الكونتيسة يانا هيباشكوفا، لقب "زعيم اوربا في مكافحة الارهاب" يبدو قلقاً اكثر من اللازم، لا بشأن حرب الارهاب، فهذه "امورها ماشية طبعاً"، بل ينبع قلق الحاج، من احتمال ان يعجز العراقيون عن ادراك اهميته فينكرون المنجزات ويصوتون الى خصومه في الانتخابات. حينها يمكن ان نتخيل حواراً بين حسن السنيد والحاج، يقول فيه الاول للثاني: مع ان دول الغرب معجبة بك، الا ان العراقيين خذلوك، يا حاج، قالوا قديماً ان "مغنية الحي لا تطرب"، ولذلك فإن العديد من قادة الشرق الاوسط كانوا مضطرين الى ضرب شعوبهم بالسياط، لاجبارها على احلى انواع الطرب القسري.
المالكي.. وطرب مغني الحي
[post-views]
نشر في: 15 مارس, 2014: 09:01 م