اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > تحقيقات > استئثار "أقارب" المسؤولين بالوظائف يؤدي لنزوح عمال المحافظات إلى بغداد

استئثار "أقارب" المسؤولين بالوظائف يؤدي لنزوح عمال المحافظات إلى بغداد

نشر في: 16 مارس, 2014: 09:01 م

(محمد) ، شاب من مواليد 1978 جاء من محافظة ذي قار الى العاصمة بحثا عن فرصة عمل يعيل بها عائلته بعد ان عجز عن الحصول على فرصة تعيين في مدينته على الرغم من انه حاصل على شهادة (بكالوريوس إدارة واقتصاد) من جامعة البصرة، لأن التعيين بحسب قول محمد ناظم عبد

(محمد) ، شاب من مواليد 1978 جاء من محافظة ذي قار الى العاصمة بحثا عن فرصة عمل يعيل بها عائلته بعد ان عجز عن الحصول على فرصة تعيين في مدينته على الرغم من انه حاصل على شهادة (بكالوريوس إدارة واقتصاد) من جامعة البصرة، لأن التعيين بحسب قول محمد ناظم عبد الكريم يعتمد على مبدأ (الأقرباء أولى بالمعروف) او الرشا ، لذلك غادر مدينته ومهد طفولته وتوجه الى العاصمة ليجد نفسه عاملا في احد المطاعم الشعبية،عبد الكريم يروي لـ (المدى) تفاصيل حياته في هذا العمل حين يستيقظ في الساعة الرابعة فجرا ليعد الطعام وما يترتب عليه من أعمال اخرى في المطعم الذي هو مكان عمله ومبيته.
 
محمد ومطعم (أبو كاظم)
وسيلة اتصاله الوحيدة مع الأهل هي الهاتف بعد كل انفجار سواء في محافظته او في بغداد ليطمئن الطرفان على بعضهما، كونه لايذهب الى الاهل الا في مناسبات خاصة ،ومعدل ذهابه الى العائلة هو كل ثلاثة اشهر ولمدة اسبوع لا اكثر، مبررا ذلك بتوفير مبلغ اكبر من خلال العمل وكذلك بالنسبة لتوفير اجرة النقل ،فضلا عن كون صاحب المطعم أبي كاظم يعده من اولاده ويوفر له الطعام والمبيت مجانا ويأتمنه على المطعم وكأنه هو صاحبه الفعلي وليس أبا كاظم كما يقول (ابو جاسم)كما يحلو للزبائن ان يلقبوه،وبعد نهاية عمله من المطعم يقوم بالوقوف مع شقيقه علي بعربة لبيع الحمص (اللبلبي) والباقلاء وسط شارع السعدون، مبينا ان عمله الثاني هو لقتل الفراغ بعد نهاية العمل في المطعم ويبقى حتى الساعة العاشرة مساءً ثم يذهب للنوم داخل المطعم ليجلس عند الفجر. وبشأن أوقات فراغه او هواياته، يوضح (ابو جاسم) وهو يضحك بحسرة "مثلنا ليس لديه الوقت الكافي للتنعم بنوم عميق، وحتى لو كانت لدي هواية فلا وجود لها في قاموس حياتي اليومية."
سلوان ومبررات تركه للدراسة
حالة محمد واحدة من حالات لاتعد ولا تحصى لشباب تركوا محافظاتهم مجبرين وجاؤوا الى العاصمة بحثا عن الرزق لإعالة عوائلهم بعد ان اصبحت البطالة ظاهرة سائدة في جميع مدن العراق، لكون التعيينات وفرص العمل أصبحت حكرا على الأحزاب واقرباء المسؤولين بحسب جميع من التقيناهم ،الذين بينوا للمدى ان اسباباً اخرى وراء مغادرة مدنهم منها تدني مستوى اجور العاملين فيها وشحتها اذا ماقورنت بما يحصلون عليه في بغداد، ولاحظنا أن العديد منها تركوا مدارسهم اضطرارا لتوفير فرصة عمل تدر عليهم مبالغ من المال لغرض بناء مستقبلهم من وسط هذا الشقاء ، ومثال ذلك الشاب سلوان غسان البالغ من العمر عشرين عاما حيث جاء من محافظة الديوانية ليسكن في بيت خاله ويعمل في مطعم بأجر يومي قدره (15) الف دينار. ويؤكد سلوان انه يذهب الى عائلته التي تسكن في منطقة (ام الخير) كل شهرين ،موضحا بانه ترك الدراسة بعد ان شاهد العديد من الخريجين لا يحصلون على فرص العمل فما الفائدة من الشهادة من غير تعيين بحسب قوله.
العطل وقطع الأرزاق
(علي كاظم عباس) ، جاء من محافظة ديالى /قضاء المقدادية ليفتح له بسطية لبيع السكائر في بغداد، عباس من مواليد 1977 ويعيل عائلة مكونة من ستة أفراد ويتحتم عليه ان يوفر لهم قوت يومهم ،مبينا للمدى انه يذهب الى عائلته كل شهر تقريبا ويعيش بعد نهاية العمل في غرفة داخل احد الفنادق بالبتاوين ببدل ايجار شهري قدره (120)الف دينار، ويؤكد عباس ان الحد الاعلى لدخله اليومي هو عشرون الف دينار يستقطع منها الايجار وثمن طعامه اليومي، ويشتكي عباس من ايام العطل لان رزقه اليومي يقل قياسا بايام الدوام الرسمي فضلا عن ايام الشتاء الممطرة ايضا حيث يقل فيها الرزق بحسب قوله. وبين عباس ان الدار التي تسكنها عائلته تابعة لأملاك الدولة وفي حالة اخراجه منها ستحدث مأساة فعلية له وللعائلة لأنه حينها لايستطيع تسديد بدل الايجار من عمله هذا، مبينا انه حاول عدة مرات الحصول على تعيين، لكن "الوظيفة في البلد بصورة عامة اصبحت من المستحيلات للفقراء من امثالنا" بحسب قوله.
يعمل في بغداد ويقول في أربيل
تركنا (علي) بائع السكائر وتوجهنا صوب احد الفنادق في بغداد لنلتقي بالمواطن محمود هرمز حسن مواليد 1967 القادم من منطقة (القوش) في محافظة الموصل ،والذي يعمل موظف خدمة فيه ،مؤكدا انه يقضي ثلاثة اشهر في العمل ويذهب في اجازة من غير اجر لمدة (15) يوما ،لكونه هو وأولاده الكبار والذين يعملون في احد فنادق كردستان يعيلون عائلة كبيرة مكونة من (22) فردا، مبينا ان أجرهُ الشهري في الفندق هو (450) الف دينار، علما ان اولاده قد تركوا المدارس من اجل توفير لقمة العيش، ويضطر ،وحسب قوله ، للذهاب الى محافظة الموصل بسيارات حمل حتى يوفر اجرة النقل،وبالنسبة للطعام والمبيت قال حسن ان ادارة الفندق هي من توفرها له،موضحا بانه عرض بيته للبيع بعد ان اصبح مدينا للعديد من الاقرباء ،مؤكدا ان عائلته فقط تعلم انه يعمل في بغداد اما شقيقاته فقد احتال عليهن وقال لهن بانه يعمل في عين كاوه باربيل لكونهن سيقاطعنه نهائيا اذا ما علمن انه يعمل في بغداد وذلك خشية عليه من الأوضاع الأمنية المتدهورة في العاصمة، لذلك اضطر للكذب عليهن كما يقول.
بترت يده أثناء العمل
توجهنا انا والزميلين محمود رؤوف وطارق العزاوي الى (فرن صمون الفرات) الذي تعرض لاحد التفجيرات الارهابية وراح ضحيتة أحد العاملين في الفرن وهو من أهالي محافظة ذي قار واسمه (رسول كاظم) من مواليد 1986،وجرح العديد من العاملين في الفرن فضلا عن الأضرار المادية التي تعرض لها الفرن والعمارة التي يوجد فيها، التقينا بالعامل (عادل مزهر فارس) مواليد 1970 والذي بترت يده اليسرى بسبب الانفجار ومع ذلك وجدناه يقوم برفع (الطاولي) الذي يحمل (شنك) الصمون ويقدمها للعامل الذي يقف على الفرن ،صاحب الفرن اكد بانه حافظ على وجوده بالفرن لانه صاحب عائلة ويعمل بجد ،احد العاملين في الفرن ويدعى (حسين هادي عبيد) من مواليد 1971 محافظة بابل قضاء الاسكندرية بين للمدى انه يعيل عائلة مكونة من عشرة افراد واغلبهم في المدارس لذلك جاء الى بغداد لتوفير احتياجاتهم لعدم توفر فرص العمل في منطقته فضلا عن تدني الاجور فيها ،مؤكدا انه يضطر الى المبيت داخل الفرن لأنه يعمل من الساعة الرابعة صباحا حتى الثامنة مساءً،واجازته هي خمسة ايام كل ثلاثة اسابيع ،يشاركه الحديث العامل (محمد هنيهن) من محافظة الناصرية تولد 1982 متزوج حديثا ومع ذلك جاء الى بغداد لعدم توفر فرص العمل في محافظته، لكونها محصورة لأقرباء المسؤولين ولمن يدفعون الرشا وهو لايملك غير قوت يومه.
أبو جاسم و(تسخيت ) الشباب
ساحة الطيران ، وما ادراك ما ساحة الطيران ، منجم لعمال البناء القادمين من مختلف المحافظات ،السماوة، العمارة ،الديوانية، كربلاء، الموصل ، ديالى ، بابل، كركوك ومن مناطق بغداد، يتنافسون على الزبون وما ان تقف اية سيارة حتى تراهم يتزاحمون على صاحبها ليحصلوا على فرصة عملهم التي تركوا مناطقهم وعوائلهم من اجلها،هذه الشريحة التي تعرضت للعديد من العمليات الارهابية لم تمنعها المفخخات من التحدي والتواجد اليومي في ساحة الطيران وبالتحديد في بداية شارع النضال .
جلس أبو جاسم على (بلوكه) وهو يضع (الكرك)بجانبه قرب بائع الشاي على الرصيف وعيونه ترصد الشارع منتظرا رحمة السماء عسى ولعل ان تنعم عليه بقوت يومه الذي لا يبذر منه سوى سندويج فلافل او باذنجان من المطاعم الشعبية التي تنتشر هناك ،ابو جاسم(54)عاما والقادم من محافظة السماوة بين للمدى "ان مهنتنا تعتمد على الحظ وكذلك البنية الجسمانية فصاحب العمل يختار الشباب دائما ويتحاشى من هو بعمري لأنه يعتقد بان الشاب يعمل بجهد اكبر"، مؤكدا بان اغلب الشباب لا يعملون بضمائر العمال القدماء ويتعمدون ضياع الوقت في عملهم وبلهجته يقول (اغلبهم يسختون)،مبينا انه وثلاثة من محافظة السماوة يقيمون في غرفة صغيرة داخل احد الفنادق في منطقة الباب الشرقي ،وفي اليوم الذي لايحصل فيه احدهم على فرصة عمل يتعاونون فيما بينهم على توفير اجرة الفندق والطعام،وانه يذهب لرؤية عائلته المكونة من تسعة افراد كل شهرين ويبعث لهم المصروف مع الصديق الذي يذهب في اجازة.
استشهاد العديد من عمال البناء
الشاب (محمد زبون) من محافظة واسط مواليد 1990حين قلت له ان احد العاملين من كبار السن يقول عن الشباب انهم لايعملون بضمير ويضيعون الوقت،قال لي بسخرية وهو يضحك(عمي وداعتك ذوله اكلاوجية يخلصون يومهم صلاة وجكاير)، وبين زبون ان اغلب الناس اليوم يستأجرون العامل على نظام (الكبالة) اي دفع مبلغ قطعي للعمل المطلوب ،والبعض يفضل الأجر اليومي والذي قدره(25)الف دينار،وعن الطعام يوضح زبون ان بعض اصحاب البيوت يقومون بتقديم وجبة الغداء لنا والبعض الاخر يمتنع عن ذلك فنضطر الى اخذ ما تيسر من الطعام مثل البيض المسلوق والطماطم والخيار والخبز لتناوله في فترة الظهيرة، واوضح زبون ان العديد من اصحابه في العمل استشهدوا في العديد من العمليات الارهابية التي استهدفت المنطقة. زبون الذي يقيم في بيت شقيقته ببغداد قال انه احيانا وليس دائما يتبضع المواد الغذائية والخضار لبيت شقيقته حياءً منها ومن زوجها لكونهم يتحملون اعباء تواجده الدائم عندهم.
تركنا زبون وبالتاكيد تركنا آلاف الصور المأساوية وحياة العوز التي يعيشها الآلاف من أبناء هذا البلد المتخم بالثروات والموازنات الانفجارية، ونحن نتمنى من قادة البلد الجدد ان تغيرت الوجوه (وهذا ما لانعتقده) ،ان ينظروا الى هذه الشريحة الشريفة والمتعففة والتي تقاسي يوميا من شظف العيش، ومع ذلك لم تلوث ايديها بالمال الحرام او قتل الابرياء كما فعل ويفعل بعض السياسيين الجدد الذين قادوا البلد الى هذا الوضع المزري والمحبط.

 

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق منارات

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

لا ينبغي ان يحلق في سمائها غير طيور الحباري ..الإرهاب والمخدرات يهددان أمن الحدود العراقية السعودية
تحقيقات

لا ينبغي ان يحلق في سمائها غير طيور الحباري ..الإرهاب والمخدرات يهددان أمن الحدود العراقية السعودية

 اياد عطية الخالدي تمتد الحدود السعودية العراقية على مسافة 814 كم، غالبيتها مناطق صحراوية منبسطة، لكنها في الواقع مثلت، ولم تزل، مصدر قلق كبيراً للبلدين، فلطالما انعكس واقعها بشكل مباشر على الأمن والاستقرار...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram