أهم ما يميز السياسي المحترف عن غيره، لغته. فللسياسة لغتها مثلما لكل من العلم والدين والشعر لغة. وان قال الشاعر المرحوم عزيز السماوي في واحدة من "قفشاته" انه يعرف الشاعر الشعبي الجيد من مشيته، فالسياسي البارع يُعرف من لغته. حتى "احميدة أم اللبن"، رحمها الله، عندما كان ابنها يشكو زوجته ترد عليه "يمّه إخذها بالسياسة". ورغم ان السياسة بحر عميق، كما يقولون، إلا ان فهم أصولها لا يتطلب غير عقل نظيف وروح مهذبة من العنجهية. السياسة والعنجهية لا تلتقيان. خشونة الألفاظ عنجهية، وكذلك التكبر والتعظم والجفاء والغطرسة. وان كانت هذه كلها تظهر حتى في مشية الحاكم كما هي عند الشاعر الشعبي، بحسب السماوي، إلا أنها تتضح اكثر في لغته عندما يمر على أسماء الآخرين، خاصة خصومه. الحاكم، الفاهم بالسياسة وأصولها، حتى وان مر على اسم قاتل أبيه يذكره باحترام. فما بالكم بمن يسخر ويهزأ من حليف له كان هو السبب الرئيس في تثبيته على كرسي الحكم؟
سُئل المالكي عن رأيه في وصف مقتدى الصدر له بانه طاغية ودكتاتور، فأجاب: "ما يصدر عن مقتدى الصدر لا يستحق الحديث .. تكلملي بغيره"! ثم وصفه بأنه "رجل حديث على السياسة ولا يعرف أصول العملية السياسية"! انهجم بيت البامية.
عندما يقول ناقد عن شاعر انه لا يجيد ضبط وزن القصيدة، فهذا يعني ان الناقد متبحر بعلم العروض. المالكي أراد القول باختصار بانه واوي عتيق بالسياسة وسيبويه العصر، وليس مختاره، فقط بالعملية السياسية. والله لو سمعته "احميدة أم اللبن" اليوم لقالت له "يمّه مو هَيْج السياسة".
قول أحدكم عن احدهم انه لا يستحق الحديث، إهانة للشخص المقصود. ومن يهن الناس يهين نفسه شاء أم أبى. هذه تشمل السياسي والمعلم وحتى البقال. فهل أراد المالكي إهانة الصدر بكلامه؟ نعم وانه قد أهان الشعب كله أيضا. شلون؟ أنا أقول لكم:
المالكي إسلامي وابن حزب إسلامي شيعي. ومثله يجب، حسب ما يفترض، ان يقدر العمامة اكثر من السدارة كما يقولون. فمن لا يهمه إهانة من لبس العمامة ومن كان أبوه، لا بل وأجداده، من رموز التضحية بالعراق، هل يتردد في إهانة أي مواطن عادي؟ وعند "مواطن" سأقف.
لا يستطيع المالكي ولا غيره، وحتى أنا، نكران المنزلة الاجتماعية والسياسية والدينية للسيد مقتدى. لكن سأفترض ان هذه كلها غير موجودة .أو أنيس أجرده منها، افتراضا. ألا يبقى السيد مواطنا عراقيا؟ ومَن أتى بالمالكي للحكم غير المواطن؟ ثم، أليس المالكي وكل من معه في "دفة" الحكم يعتاشون على المال العام الذي هو مال المواطن؟
لو ان مطربا قال عن مطرب بانه لا يستحق الحديث، ماشي؟ ليش؟ لان المطرب يغني بفلوسه. لكن ان يعيش المالكي بروسنا ويتمتع بامتيازات مالنا ثم يهيننا فذلك هو الجحود بعينه. أقل ما تتوقعه ممن تمن عليه بمال وفير وعيش رغيد ما كان يحلم به، ان يؤدي واجبه بإخلاص وان يحترمك من منطلق انك ولي نعمته. هذا عدا عن انك إنسان في المقام الأول. من لا يستحي منك لا تستحي منه عزيزي المواطن. فان كان السيد مقتدى بكل ما يملكه من تاريخ عائلي مجيد وانه في اقل تقدير يضع عمامة رسول الله على رأسه، ويراه"جلالة" الحاج لا يستحق الحديث، فما الذي سيقوله عنك وعني نحن الذين لا شيء عندنا غير أننا مواطنون في هذا البلد؟ أذكركم بان شاعرنا قال:
دنّي الماي اللحيتك بلّها .. لو شفت جارك لحيته مزيّنه.
أيها الناس: اسمعوا المالكي وعوا
[post-views]
نشر في: 17 مارس, 2014: 09:01 م