TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > يوجين أونيل في بغداد!

يوجين أونيل في بغداد!

نشر في: 17 مارس, 2014: 09:01 م

أصدرت جريدة "المدى" ملحق "منارات" عن الكاتب المسرحي الأميركي "يوجين أونيل"، ودأبت هذه الجريدة الغراء على تعريف قرائها بالمشاهير من الفلاسفة والعلماء والأدباء والفنانين. وقد يفوت على الكثير من القراء ومن المهتمين بالحركة المسرحية تعرفهم بعلاقة المسرحيين العراقيين بالمسرحيين العرب والأجانب، ومدى اتساع ثقافة العراقي في تعامله مع النتاج الأدبي والفني للآخرين.
في الملحق المشار إليه كتب المسرحي العراقي "عقيل مهدي" عن تجربته في احدى مسرحيات يوجين أونيل، وهي "الغوريلا" التي قدمها في مسرح الرشيد مع أعضاء من الفرقة القومية للتمثيل أوائل التسعينات من القرن العشرين ولاقى عرض المسرحية تلك صدى جيداً لدى الجمهور، وللأسف فان "الدكتور عقيل" لم يذكر في مقالته إنني أنا "سامي عبد الحميد" قدمت المسرحية نفسها وبعنوانها الأصلي "القرد كثيف الشعر"مع طلبة أكاديمية الفنون الجميلة عام 1986 وعلى مسرح معهد الفنون "مسرح الرواد" وشارك فيها طلبة قسم الفنون المسرحية واغلبهم اليوم من ابرز فناني المسرح العراقي وفي مقدمتهم "صلاح القصب" ومثل الدور الرئيس "يانغ" "كريم عواد" وكان اختياري له لتمثيل دور العامل الزنجي المفتول العضلات وجسمه وصوته الضخم من دواعي نجاح العمل بوقته، وهنا لابد أن أشير إلى ان تلك المسرحية بعرضها العراقي في بغداد قد شهدت أول مرة، كما اعتقد، ما يسمى الآن "دراما الجسد" أو "الرقص الدرامي" حيث استخدمت أجساد عمال موقد محرك السفينة وهي مكان معظم أحداث المسرحية للتعبير عن حركة السفينة اولاً وعن معاناة أولئك العمال ثانياً وعن احتجاجهم ضد السلطة القاهرة لهم ثالثاً، وبوقتها لم أكن اعرف عن "المسرح التعبيري" الذي تنتمي إليه المسرحية، إلا القليل ،كما ان غيري من المسرحيين العراقيين لم يكونوا يعرفون عنه شيئاً حيث تعرفوه وغيره من المدارس المعارضة للواقعية كالرمزية والدادائية والمستقبلية والسوريالية عندما افتتحت الدراسات العليا في كلية الفنون الجميلة أواسط الثمانينات من القرن الماضي، أقول مع قلة معرفتي بذلك النوع من المسرحيات إلا إنني كما يبدو، قد قمت بتطبيق شيء من تقنيات المسرح التعبيري، وهي باختصار تعبر عن إفرازات لاوعي الإنسان والتي تظهر مظاهرها  عبر الأحلام: التجريد والتشويه في جميع عناصر الإنتاج المسرحي وفي المجالات السمعية والبصرية والحركية وجدران آيلة للسقوط وأشجار تتحول إلى هياكل عظيمة، حركة الشخوص آلية وإيقاعات كلامية متباينة، مرة سريعة  وأخرى بطيئة، ألوان صارخة ومتضادة .
الانطباع العام استعاري يلبس لبوس الكابوس، وللعلم أيضاً إنني أخرجت مسرحية أخرى للكاتب الأميركي "يوجين أونيل" هي "الإمبراطور جونز" والتي هي الأخرى تنتمي إلى المسرح التعبيري، وتتحدث عن لاوعي الأفارقة في التخلص من العبودية والاسترقاق والتطلع إلى التحرر والسلطة الوطنية، قدمت المسرحية مع طلبة أكاديمية الفنون الجميلة عام 1972 وفي قاعة الخلد "تقع القاعة اليوم ضمن المنطقة الخضراء ولا ندري مصيرها وكيفية الاستفادة منها"، ونذكر هنا أيضاً ان مسرحيات أخرى لأونيل أخرجها طلبة معهد وكلية الفنون الجميلة ومنها "رغبة تحت شجرة الدردار" و"رحلة طويلة عبر الليل"، و"الإله الكبير براون" وأخرج الأخيرة "عبد الإله كمال الدين".
يعتبر "يوجين أونيل" الكاتب الأول الذي قدم للمسرح الأميركي التراجيديا الوطنية والذي مهد الطريق لظهور كادر جديد من الدراميين الوطنيين في أميركا ويحمل معظمهم أفكاراً ثورية تبغي تغيير المجتمع الرأسمالي الاحتكاري الأميركي إلى مجتمع افضل يحقق العدالة والمساواة لجميع المواطنين ،ونذكر من أولئك كل من "آرثر ميللر" و"تنسي وليامز" و"اورين شو" و"المورايس" مؤلف "المسرح الحي" وكاتب المسرحية التقدمية "في انتظار اليسار".
لعل من متطلبات الدراسة الأكاديمية في أقسام الدراما أو أقسام الفنون المسرحية في المعاهد والجماعات تعرف الطلبة أساليب كتابة المسرحية وأنواع المسرحيات عبر تاريخ المسرح ولا يتم التعرف إلا من خلال التطبيق أي من خلال تقديم مسرحيات متنوعة في أشكالها ومضامينها وأساليب بنائها ويقوم بإخراجها التدريسيون المختصون أو طلبة الإخراج بإشراف أساتذتهم .ومثل هذا التقليد الاكاديمي كان متبعاً في أقسام المسرح عندنا خلال الستينات والسبعينات وحتى الثمانينات من القرن الماضي، أما اليوم فقد ضرب ذلك التقليد عرض الحائط وأصبحت العشوائية في اختيار النصوص المسرحية المعدة للإخراج هي الطاغية على أعمال التدريسيين والطلبة، ولذلك عم الفقر الثقافي لدى الطلبة وتناقصت آفاق المعرفة الفنية للأسف ،لذلك بات من واجب إدارات تلك الأقسام الفنية أن تضع ضوابط وشروطاً لاختيار النصوص المسرحية يراعى فيها تطبيق مناهج الدراسة.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

العمودالثامن: أحلام المشهداني

العمود الثامن: الداخلية وقرارات قرقوشية !!

قناديل: بغدادُنا في القلب

عنوانان للدولة العميقة: "الإيجابية.. و"السلبية"

العمودالثامن: برلمان كولومبيا يسخر منا

العمود الثامن: الداخلية وقرارات قرقوشية !!

 علي حسين ما معنى أن تتفرغ وزارة الداخلية لملاحقة النوادي الاجتماعية بقرارات " قرقوشية " ، وترسل قواتها المدججة لمطاردة من تسول له نفسه الاقتراب من محلات بيع الخمور، في الوقت نفسه لا...
علي حسين

مصير الأقصى: في قراءة ألكسندر دوجين لنتائج القمة العربية / الإسلامية بالرياض

د. فالح الحمــراني يتمحور فكر الكسندر دوغين الفيلسوف السوفيتي/ الروسي وعالم سياسي وعالم اجتماع والشخصية الاجتماعية، حول إنشاء قوة أوراسية عظمى من خلال اتحاد روسيا والجمهوريات السوفيتية السابقة في اتحاد أوراسي جديد ليكون محط جذب لدائرة واسعة من...
د. فالح الحمراني

السرد وأفق الإدراك التاريخي

إسماعيل نوري الربيعي جاك لوغوف في كتابه "التاريخ والذاكرة" يكرس الكثير من الجهد سعيا نحول تفحص العلاقة المعقدة، القائمة بين الوعي التاريخي والذاكرة الجماعية. وقد مثل هذا المنجز الفكري، مساهمة مهمة في الكتابة التاريخية،...
إسماعيل نوري الربيعي

هل يجب علينا استعمار الفضاء؟

توماس ليبلتييه ترجمة: عدوية الهلالي بالنسبة للبعض، تعتبر الرغبة في استعمار الفضاء مشروعًا مجنونًا ويجب أن يكون مجرد خيال علمي. وبالنسبة للآخرين، فإنه على العكس من ذلك التزام أخلاقي بإنقاذ البشرية من نهاية لا...
توماس ليبلتييه
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram