بعد ثلاث سنوات على فتح الجرح السوري، الذي يبدو غير قابل للشفاء، وفي طريقه للتقيح، جرى حوار بيني وبين أبي حسن صديقي السوري "العلوي"، وقد عرّفني إليه قبل سنوات طوال المرحوم ممدوح عدوان، ووصفه يومها بأنه برّي مُثابر، يتلمس طريقه إلى عالم الفكر والحرف، ويحتاج لكل دعم ممكن، ومن يومها بتنا صديقين نلتقي كلما كنت في دمشق أو زار عمان، وكنت ألاحظ دائما تقدمه في العالم الذي اختار العيش فيه، كاتباً متميزاً حافظ على برّيته، وعلى نقاء نادر استمر حتى اندلاع الثورة السورية قبل ثلاثة أعوام، حيث بات صعباً عليه استيعاب التحولات التي قادت العلماني للتمسك المرضي بطائفته، والقومي للدفاع عن عشيرته، والمفكر التقدمي للمناقشة في خصوصية مذهبه.
رأى صديقي بأم عينه المثقف العلماني ينحاز للعمامة تارةً، وأخرى لبسطار الجندي، دون اكتراث بالموت المجاني الذي يحصد أرواح السوريين، ولاحظ كيف أن الطارئين على الفعل الثقافي تصدروا المشهد الطارئ، فانحاز في لحظة هوجاء إلى رد فعل طائفي، لم يكن مُنتظرا منه، ولا هو من صفاته التي عرفتها، تجاوز كل تاريخه النضالي بالكلمة والفكرة، إلى خندق عميق من التقوقع على فكرة إنهم يكرهوننا ويذبحوننا، فلندافع عن وجودنا بكراهيتهم وقتلهم ، فابتنى لذاته خيمة كرسها لرؤاه الجديدة، وللانطلاق منها لمهاجمة كل الآخرين، وإحصاء خسائرهم ببهجة وحبور.
في حوارنا الأخير، الذي ابتدأ بما عرفته عنه سابقاً من خلق رفيع، وهو يطلب موافقتي على إعادة نشر مقال لي في المدى على موقعه الإلكتروني، عاتبته على مواقفه الأخيرة، فقال إننا قد نختلف في هذه المرحلة على أمور كثيرة، "لكن ما يشفع لي أننا في سوريا نشكو جرحا بليغاً، ومواقفي أغلبها انفعالية، أتت نتيجة هول الجحيم الذي نخوضه بلا عقل ولا تعقل"، وأفصح أنه ليس سعيداً بما كتبه، وأن هذا ليس من شيمه، وفي بادرة شجاعة اعترف بعدم رضاه عن ما بدر منه من مواقف لا يرضاها لنفسه، خصوصاً في بداية الأحداث، وكان ذلك كما قال رد فعل على طائفية المعارضة التي صعقته بنفاقها.
اتفقنا على رفض أي نفس طائفي بغيض، وإلى حد أنه كشف عن محاولته تفهم مواقف الطرف الآخر رغم مخالفته له وهذه بادرة جيدة تدل على شكل من أشكال تجاوز الواقع البائس، والعودة إلى الجذور النقية، وبما يشعل شمعة أمل بعدم تجذر النفس الطائفي في سوريا، ومنعه من أن يستفحل على يد "المجاهدين" الذين استباحوا سوريا، وأمعنوا فيها تخريباً وصل إلى تدمير الشخصية الوطنية، لصالح ولاءات طائفية بغيضة، تحت شعارات استهوت ضعاف النفوس حول الحقوق والأكثريات والأقليات، بعيداً عن الهوية الوطنية الجامعة، والمهم اليوم أن ينطبق موقفه هذا على الموقع الخبري الذي يديره، دون أن يأخذه الإعلام التحريضي مجدداً نحو موقع ليس له، ليكون مساهماً في الدفاع عن سوريا كوطن لجميع أبنائها بغض النظر عن طوائفهم وإثنياتهم.
حواري مع أبي حسن أعاد لي بعض الأمل وإن كان ضعيفاً، بأن سوريا ستخطو مجدداً على طريق المستقبل ولن تراوح في واقعها البائس المريض، وبصراحة تمنيت لو يتكرر حوار كهذا مع صديق عراقي أياً يكن هذا الصديق.
حوار مع صديقي العلوي
[post-views]
نشر في: 17 مارس, 2014: 09:01 م