TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > مفارقة كبرى

مفارقة كبرى

نشر في: 17 مارس, 2014: 09:01 م

برغم كل الخراب الحاصل في البلاد، وهو خراب نصفه موروث من عهد صدام حسين وحروبه المدمّرة ونصفه الآخر مضاف إلى ذاك الموروث في عهد النظام الحالي وصراعاته المسلحة وغير المسلحة، الطائفية والقومية، فان الأحذية التي "نغلّف" بها أقدامنا لم تزل تُعرض وتُباع في ظروف بيئية وصحية مثالية غير متأثرة بأي خراب أو دمار!
ما انفك باعة الأحذية في مدننا يحرصون أشدّ الحرص على أن تكون بضاعتهم في غاية اللمعان والتألق، معروضة خلف الزجاج الشفاف، في محال ودكاكين مُرتّبة ومُعتنى بها وأحوالها أفضل من أحوال غرف الإنعاش والعناية الفائقة في مستشفياتنا.
هذه ليست المفارقة الوحيدة على هذا الصعيد. المفارقة الأكبر انه بينما تُعامل أحذيتنا بكل هذا الدلال، يبذل أصحاب المطاعم وباعة الأغذية كل جهدهم لعرض بضاعتهم وتقديمها في ظروف معادية تماماً للصحة وغير صديقة للبيئة!.. انهم يحتلون الأرصفة رغماً عن أنف أمانة بغداد ومحافظة بغداد والبلديات والحكومات المحلية في المحافظات كافة، ويعرضون بضاعتهم في "الهواء الطلق" على هذه الأرصفة المزدحمة بالأزبال، فيما يدور المئات من باعة الحلويات والوجبات السريعة "اللفات" ببضاعتهم المكشوفة في الشوارع الحافلة بالغبار والحشرات وعوادم السيارات وسائر الملوثات الخطيرة.
أحذيتنا نتعامل معها كما الأميرات فيما أغذيتنا نعاملها كما لو كانت نفايات!.. والنتيجة نلمسها في الازدحام الشديد في ردهات المستشفيات والمستوصفات وأروقتها، وفي ما يبدو نقصاً فادحاً في الاطباء والكادر الصحي.. والنتيجة أيضاً انفاق مئات ملايين الدولارات على الأدوية الخاصة بمعالجة أمراض الجهاز الهضمي والجهاز التنفسي والقلب والكليتين وسواها.. والنتيجة الأفدح، الموت المجاني لعشرات آلاف العراقيين سنوياً لأسباب تتصل بالشروط غير الصحية لأغذيتنا.
في مرات عدة خلال السنوات الماضية، أعلنت أمانة بغداد أنها ستنظّم حملة لمكافحة ظاهرة التجاوز على الأرصفة.. وقد سمعنا جعجعة ولم نر طحناً حتى اليوم .. وفي مرات عدة قرأنا عن عزم وزارة الصحة على المباشرة بحملات لمكافحة ظاهرة البيع المكشوف للاغذية، وقد سمعنا جعجعة ولم نر طحناً أيضاً.
لا يوجد الآن سبب واحد يبرر لوزارة الصحة والحكومات المحلية ودوائر البلدية في المحافظات الاستمرار في غضّ النظر عن هذه الظاهرة المتفاقمة التي توازي الاعمال الارهابية في التسبب بإزهاق أرواح الالاف من العراقيين واصابة عشرات الآلاف غيرهم بأمراض خطيرة، فلدى هذه الجهات جميعاً الموارد المالية والبشرية الكفيلة بوضع حد لهذا الاستهتار المفرط بالصحة العامة. كل ما يلزمه الأمر قرارات من أصحاب القرار وتنفيذ لهذه القرارات من سلطات التنفيذ.
هل يكون أصحاب القرار وذوو سلطات التنفيذ عند مستولى المسؤوليات المناطة بهم؟

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

جميع التعليقات 2

  1. حنا السكران

    يا حبذا نعالج السبب قبل النتيجة في كل مناحي حياتنا.

  2. المهندس ضياء محمد هاشم

    استاذي العزيز كلامك في محله عبر الشارع امام وزارة الصحه و على بعد 300 متر في ساحة الميدان ترى الصيدليات على الرصيف دون رادع اضافه الى الماكل و المشارب و هذه الخدمة الذاهبين الى المستشفيات و الكليات في باب المعظم ان ستراتيجية الصحه في حلقه مفرغه و تستهلك

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

العمودالثامن: في محبة فيروز

الفساد ظاهرة طبيعية أم بسبب أزمة منظومة الحكم؟

العمودالثامن: تسريبات حلال .. تسريبات حرام !!

قناديل: (قطّة شرودنغر) وألاعيب الفنتازيا

العمود الثامن: ليس حكماً .. بل مسرحية كوميدية

العمود الثامن: ليس حكماً .. بل مسرحية كوميدية

 علي حسين قالوا في تسويغ الافراج عن بطل " سرقة القرن " نور زهير ، ان الرجل صحى ضميره وسيعيد الاموال التي سرقها في وضح النهار ، واخبرنا القاضي الذي اصدر قرارا بالافراج...
علي حسين

العراق بانتظار العدوان الإسرائيلي: الدروس والعبر

د. فالح الحمــراني إن قضية أمن البلاد ليست ذات أفق عسكري وحسب، وإنما لها مكون سياسي يقوم على تمتين الوحدة الوطنية والسير بالعملية السياسية على أسس صحيحة،يفتقدها العراق اليوم. وفي هذا السياق يضع تلويح...
د. فالح الحمراني

هل هي شبكات رسمية متشابكة أم منظمات خفية فوق الوطنية؟

محمد علي الحيدري يُشير مفهوم "الدولة العميقة" إلى شبكة من النخب السياسية، والعسكرية، والاقتصادية، والاستخباراتية التي تعمل خلف الكواليس لتوجيه السياسات العامة وصناعة القرار في الدولة، بغض النظر عن إرادة الحكومة المنتخبة ديمقراطيًا. ويُعتقد...
محمد علي الحيدري

الليبرالية والماركسية: بين الفكر والممارسة السياسية

أحمد حسن الليبرالية والماركسية تمثلان منظومتين فكريتين رئيستين شكلتا معالم الفكر السياسي المعاصر، وتُعدّان من الأيديولوجيات التي لا تقتصر على البعد الفلسفي فحسب، بل تنغمس أيضًا في الواقع السياسي، رغم أن العلاقة بينهما وبين...
أحمد حسن
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram