بعد دعوته رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو إلى اتخاذ قرارات "صعبة"، دعا الرئيس الأميركي باراك أوباما، الرئيس الفلسطيني محمود عباس إلى الإقدام على "مجازفات"، معتبراً أنه آن الأوان لكي يقتنص قادة الطرفين الفرصة الحالية للتوصل إلى السلام، ورغم اعترافه بأن الأمر صعب وشائك جداً، فإنه يواصل الضغط على عباس، باعتباره مسؤولاً نَبَذ العنف على الدوام، وسعى باستمرار إلى حل دبلوماسي وسلمي، يتيح الوصول إلى دولتين تعيشان جنباً إلى جنب بسلام وأمن، بينما يتعامل بمنتهى الرقة والنعومة مع نتنياهو، باعتبار أنه يرفض المجازفة وغير قادر على اتخاذ قرارات صعبة.
القرارات الصعبة التي يتحدث عنها أوباما، أولها الاعتراف بيهودية دولة إسرائيل، وهو أمر يصر عليه الجانب الإسرائيلي فيما يرفضه الفلسطينيون، باعتباره أمراً ينسف حقهم التاريخي في فلسطين ومطلبهم بعودة اللاجئين، وإذا كان الرئيس الأميركي يؤمن ومقتنع بأن هناك فرصة، فإن نتنياهو ينسفها بعدم الإفراج عن دفعة أخيرة من السجناء الفلسطينيين، كانت مقررة بحلول نهاية آذار، وهي نقطة بسيطة في بحر المطالب المحقة للفلسطينيين، ولنا أن نتصور الحال حين يبدأ الحديث الجدي عن تفكيك المستوطنات، ورسم حدود الدولة الفلسطينية العتيدة، في حال ظلّت الإدارة الاميركية على خضوعها لرؤى نتنياهو التوسعية، وغير المؤمنة بجدوى السلام، ولا بإعادة الحقوق إلى أصحابها.
بعد كل الجهد غير المحمود الذي بذله كيري لإقناع الطرفين بالتوصل إلى إطار للمفاوضات، فإن من حق الفلسطينيين الاقتناع بأن الأمل يتلاشى يوماً بعد الآخر، ما دام نتنياهو يصر على عدم إبداء أي توجه معلن للقيام بأي تنازل، ويصر على أن إسرائيل تقوم بدورها، في الوقت الذي لا يفعل الفلسطينيون الشيء نفسه، وما دام أوباما يرى أن التوصل الى اتفاق سلام يتطلب القبول بتسويات في كافة الاتجاهات، لكنه لا يلعب أوراق واشنطن كاملة في الضغط على الجانب الإسرائيلي، في حين يوظف كل إمكاناته للضغط على الفلسطينيين، بما في ذلك حث قادة عرب على مجاراته في أمر بغيض كهذا، والطلب منهم التساهل حين بحث القضايا الجوهرية العالقة، مثل الحدود بين إسرائيل والدولة الفلسطينية العتيدة، ووضع القدس وحق العودة للاجئين الفلسطينيين والترتيبات الأمنية في الضفة الغربية، بما في ذلك شرط إسرائيل في الحضور الأمني الطويل الأمد في منطقة وادي الأردن .أ
وصلت المبادرة الأميركية ذروتها في الضغط على عباس، فيما هي تتبنى جوهر المطالب الإسرائيلية في كافة قضايا الوضع النهائي، وتقدمها للفلسطينيين كما لو أنها حلول وسطية أميركية، متجاوزة حجم التنازلات التي قدمها الطرف الفلسطيني على طول مسار التسوية منذ اتفاق أوسلو، ومع ما هو متوفر من معلومات عن استبعاد أي سيناريو لتنازلات فلسطينية دراماتيكية مفاجئة، حول قضايا التفاوض الإشكالية، فإن الجانب الاسرائيلي يلجأ لتوجيه رسالة مباشرة لعباس، على خلفية تلويحه الدائم باللجوء إلى المؤسسات الدولية، في حال فشل المفاوضات، مفادها أن الدولة الفلسطينية لا تقوم بإعلانها في الأمم المتحدة بل على الأرض، وهذه بيد إسرائيل وحدها ودون غيرها.
ذهب عباس إلى واشنطن بمطلبين، هما ترسيم حدود واضحة للدولة الفلسطينية، وتشديد الضغط على نتنياهو ليتراجع عن المطالبة بالاعتراف بإسرائيل دولة يهودية، وقدم تنازلاً يتمثل بتمديد المفاوضات التي ستنتهي في 29 نيسان المقبل، إذا جُمّد البناء الاستيطاني في الضفة، ووافقت إسرائيل على إطلاق سراح أسرى فلسطينيين، وبغير ذلك فإن على كيري لملمة أوراقه وحمل حقائبه، وتحميل حليفه في تل أبيب مسؤولية الفشل، وتضييع فرصة تاريخية، ربما تكون الأخيرة لبناء السلام العادل.
الصعوبة لنتنياهو والمجازفة لعباس
[post-views]
نشر في: 18 مارس, 2014: 09:01 م