TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > قطار "الجطلة"

قطار "الجطلة"

نشر في: 18 مارس, 2014: 09:01 م

بفضل الاحتلال البريطاني للعراق استخدمت السكك الحديد كوسيلة للنقل ، وكان الهدفمنها نقل النفط الخام، المستخرج من الشركات الاجنبية، ولم يكن الغرض خدمة مصالح الشعب العراقي، (وقاطرة ترمي الفضا بدخانها- وتملأ صدر الأرض في سيرها رُعبا) للشاعر الراحل معروف عبد الغني الرصافي، عبرت عن الاعجاب الشعبي بدخول وسيلة نقل جديدة الى البلاد في زمن شيوع استخدام البعران والخيل والحمير بالتنقل بين مدينة واخرى بسقف زمني يمتد عدة ايام وسط احتمال تعرض قوافل المسافرين لمخاطر الطريق، وصولات "السلابة" المسلحين الخارجين عن القانون ، قبل ان تعرف البلاد الميليشيات والتنظيمات الإرهابية.
استجابة العراقيين لوسائل النقل الحديثة ، دفعتهم الى اطلاق اسماء عديدة على القطار، ومنها الريل المحرف عن المفردة الانكليزية ، والشمندفر والسريع في اشارة الى القطار السريع ، وقد وردت في اغنية ريفية " ذبني السريع بليل " اما "الكولي" ومنهم من اطلق هذه المفردة على احد ابنائه، فتعني الشخص المكلف بوضع الفحم في مرجل الماكنة التيتعمل بقوة البخار ، مهنة الكولي صعبة وتتطب مواصفات خاصة لابد ان تتوفر بالشخص المكلف باداء المهمة، ومنها القوة العضلية والنشاط والحيوية ، وتحمل انتقادات الاخرين وتعليقاتهم ، والمثل الشعبي " اسود مصخم مثل وجه الكولي " والأمثال الشعبية سخرت من بطء القطار ، بالقول "طبت الجطلة " في اشارة الى وصول قاطرة استغرق زمن ذهابها الى البصرة والعودة منها اكثر من اسبوع.
سخرية العراقيين من "الجطلة " يمكن استخدامها في التعبير عن الاستياء والتذمرالشعبي من الاوضاع الامنية والسياسية ، المرحومة " الجطلة" ومنذ زمن بعيد اصبحتخارج الخدمة ، لكنها وبقدر ما خلفت من انطباع سلبي في اذهان من شاهدها ، اعادت حضورها في المشهد العراقي عندما تعلن الحكومة انها بصدد اعتماد خطة تنمية شاملة، توفر للعراقيين فرص العيش الرغيد في ظل القيادة الحكيمة ، وستكون بغداد افضل من دبي بالعمران وانشاء ابراج السكن على ضفاف نهر دجلة باستثناء الضفة المقابلة للمنطقة الخضراء لضرورات تتعلق بالحفاظ على الامن القومي .
اعتاد قادة الاحزاب والقوى ورؤساء بعض الكتل النيابية المشاركة في الحكومة على وصف العملية السياسية بالعرجاء ، لان بعضهم فشل في الحصول على منصب، ينسجم مع حجم فخامته وقاعدته الشعبية ، ومن شغل المنصب بصفقات التوافق والمحاصصة ،اتهم الطرف الاخر بوضع العصي في عجلة العملية السياسية فعرقل سيرها في الوصول الى اهدافها بتوطيد الديمقراطية بنسختها العراقية ، وترسيخ اعتماد مبدأ التداول السلمي للسلطة ، وعلى صوت الايقاع الصاخب لتبادل الاتهامات بين الفرقاء ، ركبت مشاريع قوانين تنظيم الحياة السياسية قطار "الجطلة " فيما تراجعت فرص تعديل الدستور، ورحلت من دورة تشريعية سابقة الى اخرى لاحقة ، وكانهأ تتنظر خدمات "الكولي"ليضعالفحم في مرجل الماكنة ، ليضاعف سرعتها، لتصل الى محطتها الاخيرة ويتم الاعلان عن زف بشرى الانجاز الكبير في يوم "طبت الجطلة".

 

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق منارات

الأكثر قراءة

العمود الثامن: "علي بابا" يطالبنا بالتقشف !!

العمود الثامن: بلاد الشعارات وبلدان السعادة

العمود الثامن: موجات الجزائري المرتدة

العمود الثامن: المستقبل لا يُبنى بالغرف المغلقة!!

سوريا المتعددة: تجارب الأقليات من روج آفا إلى الجولاني

العمود الثامن: بلاد الشعارات وبلدان السعادة

 علي حسين نحن بلاد نُحكم بالخطابات والشعارات، وبيانات الانسداد، يصدح المسؤول بصوته ليخفي فشله وعجزه عن إدارة شؤون الناس.. كل مسؤول يختار طبقة صوتية خاصة به، ليخفي معها سنوات من العجز عن مواجهة...
علي حسين

قناطر: شجاعةُ الحسين أم حكمةُ الحسن ؟

طالب عبد العزيز اختفى أنموذجُ الامام الحسن بن علي في السردية الاسلامية المعتدلة طويلاً، وقلّما أُسْتحضرَ أنموذجه المسالم؛ في الخطب الدينية، والمجالس الحسينية، بخاصة، ذات الطبيعة الثورية، ولم تدرس بنودُ الاتفاقية(صُلح الحسن) التي عقدها...
طالب عبد العزيز

العراق.. السلطة تصفي الحق العام في التعليم المدرسي

أحمد حسن المدرسة الحكومية في أي مجتمع تعد أحد أعمدة تكوين المواطنة وإثبات وجود الدولة نفسها، وتتجاوز في أهميتها الجيش ، لأنها الحاضنة التي يتكون فيها الفرد خارج روابط الدم، ويتعلم الانتماء إلى جماعة...
أحمد حسن

فيلسوف يُشَخِّص مصدر الخلل

ابراهيم البليهي نبَّه الفيلسوف البريطاني الشهير إدموند بيرك إلى أنه من السهل ضياع الحقيقة وسيطرة الفكرة المغلوطة بعاملين: العامل الأول إثارة الخوف لجعل الكل يستجيبون للجهالة فرارًا مما جرى التخويف منه واندفاعا في اتجاه...
ابراهيم البليهي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram