متحدياً الغرب كله أعلن سيد الكرملين أن القرم، باتت جزءاً من روسيا الاتحادية، وتوعد بوتين بالرد على أية عقوبات يفرضها الغرب على بلاده باعتبارها تصرفاً عدوانياً، ولاستثارة الروح الوطنية لمواطنيه، شدد أن القرم كانت وتبقى جزءاً لا يتجزأ من روسيا، وهذه القناعة المستندة إلى الحقيقة والعدالة، لا تتزعزع وتم تناقلها من جيل إلى جيل ولم يتمكن الزمن أو الظروف من تغييرها، ولذلك لم يكن بوسع روسيا ترك سكانها في المحنة، وإلا لكان الأمر خيانة بكل بساطة.
كييف رفضت الاعتراف بالواقع الإنفصالي، واعتبرت أن المعاهدة التي وقعها بوتين لا علاقة لها بالديمقراطية ولا بالقانون، واتهم الرئيس الأوكراني نظيره الروسي بأنه يتصرف كالمانيا النازية، مُذكراً بأن الحرب العالمية الثانية بدأت حين ضمت ألمانيا النازية أراضي دول أخرى، وهوّلت بأن نزاعها مع روسيا يدخل "مرحلة عسكرية" بعد اشتباك محدود في مدينة سمفيروبول، وتداعت عواصم الغرب للتنديد والإدانة، واتفق أوباما والمستشارة الالمانية على أن أوكرانيا تلقت ضربة غير مقبولة، لسلامة ووحدة اراضيها، وتوعدت واشنطن بفرض عقوبات جديدة على روسيا، بينما أكد الاتحاد الأوروبي أنه لن يعترف بضم القرم إلى روسيا، اعتماداً على استفتاء غير قانوني وغير شرعي.
وفي تعبير عن الإحساس بزهو النصر سخرت موسكو من الموقف الأوروبي، وشددت أن الغرب سيضطر، رغم عقوباته، إلى إيجاد لغة تفاهم مشتركة مع روسيا، لكي تستقر أوضاع أوكرانيا، لأن عدم استقرارها يعني وجود ثقب أسود في أوروبا، وإذ يعتبر البعض أن بوتين انتصر بعد الضربة الموجعة التي تلقاها نفوذه في كييف، وأنه نجح بالانتقام لانتزاع جارته من دائرة نفوذه، فإن الواقع يقول إن الامور لن تكون سهلة لروسيا، التي تستعد لمواجهة الاسوأ بالنسبة لاقتصادها، حيث سيطال تشديد العقوبات الاقتصادية، تفاصيل حياة المواطن الروسي، المُنتشي اليوم بما يوصف بانتصاره، وتمريغه بالوحل أنف الغرب المعادي لبلاده ونهضتها الوطنية.
رغم ما يجري الترويج له بأنه انتصار، فإن موسكو وهي تدرك عواقب خطوتها، تبحث عن حل سياسي يحفظ هيبتها ويؤكد احترام نفوذها، فتقترح خريطة طريق تضمنت شروطاً لتسوية الأزمة، بينها اعتراف كييف باستفتاء القرم، وصياغة دستور جديد يمهد لتنظيم انتخابات رئاسية ونيابية، ومكافحة التطرف عبر حظر القوميين المتطرفين وملاحقتهم، يعني الاقتراح الذي رفضته كييف، أن موسكو ترى أن الوضع في القرم، بات أمراً واقعاً يجب التعامل معه، بموازاة جهود التسوية، يترافق ذلك مع تهديد ضمني، عبر التلويح بالقدرات النووية الروسية، وبأن روسيا هي الدولة الوحيدة في العالم، القادرة على تحويل الولايات المتحدة إلى حطام إشعاعي، تقابل ذلك يد أوروبية ممدودة لكسر دوامة الأزمة، وإطلاق مسار سياسي يضمن وقف التصعيد، والتحرك لتفكيك أسباب الصراع.
رغم كل ما ينتظر روسيا من سلبيات، فإن بيدها العديد من أوراق القوة، فهي قادرة على لي ذراع أوروبا بالنسبة لإمدادات الطاقة، وقادرة على خلق مشكلة لحكام أوكرانيا الجدد، بمطالبتهم بإعادة 20 مليار دولار من الديون السوفييتية، في حال إصرار كييف على إعادة النظر في تقسيم ممتلكات الاتحاد السوفييتي السابق، والسؤال اليوم هل يعني ضم القرم أن بوتين يسعى إلى رسم خرائط جديدة لأوروبا الشرقية، وأن الأساس الذي استندت عليه هذه الخطوة سينطبق على مناطق أخرى من استونيا وليتوانيا وليتونيا وترنسنيستريا، حيث يتواجد فيها كثيرون من الاثنية الروسية او الناطقين بلغتها، ما يعني أن على أوروبا مواجهة ذلك بالتخفيف من تبعيتها لروسيا في مجالي الاقتصاد والطاقة، وأخيراً هل هناك مزيد من الفروع مرشحة للعودة إلى الأصل؟
عودة الفرع إلى الأصل
[post-views]
نشر في: 19 مارس, 2014: 09:01 م