لم يدر بخلد (كاوه الحداد) بان أسطورته التي تحكي عن انتفاضته ضد الطاغية (الضحاك) والبطش به ستصبح عيدا وطنيا تحتفل به العديد من شعوب العالم  وبالأخص الكرد والاتراك والفرس وبعض البلدان العربية، الطاغية الذي كان يطعم أفاعيه أدمغة الأطفال  الصغا

لم يدر بخلد (كاوه الحداد) بان أسطورته التي تحكي عن انتفاضته ضد الطاغية (الضحاك) والبطش به ستصبح عيدا وطنيا تحتفل به العديد من شعوب العالم  وبالأخص الكرد والاتراك والفرس وبعض البلدان العربية، الطاغية الذي كان يطعم أفاعيه أدمغة الأطفال  الصغار وكانت حصة كاوه (16) طفلا من أولاده ولم يتبق لديه سوى طفلة صغيرة ، وحين جاء عليها الدور ، اتفق مع شعبه بانه سيقوم  بإنقاذهم من  الطاغية المستبد ، وحين يقوم بقتله سيصعد الى قمة الجبل ويعطي اشارة للمواطنين من خلال إيقاد مشعل من النار، وبالفعل تحقق له ذلك الامر فكان ذلك عيد نوروز في 21 آذار ليصبح عيدا وطنيا للشعب الكردي ، يقومون بالاحتفال به لمدة اربعة ايام باعتباره اليوم الجديد من كل عام  لكونه يتزامن مع بداية فصل الربيع من كل عام وهو بداية الخصوبة للارض ونمو العشب والاشجار لذا يطلق عليه البعض (عيد الشجرة) ، (المدى) استطلعت آراء العديد من المواطنين سواء من العرب أوالكرد بشأن عيد نوروز ما بين الأمس واليوم.
رمزية العيد في علم الإقليم
 في احد الفنادق وبالتحديد فندق سرجنار التقينا بالمواطن  الكردي ابراهيم  سعيد من مواليد 1970 في محافظة نينوى ، قال ان الاحتفال بهذا العيد يمثل لنا انتصار الحق على الباطل والشعوب على  الطغاة ، من خلال الرواية التي تحكي لنا قصة البطل كاوه الحداد الذي ثار على الظلم والطغيان ، وبين سعيد ان "اعتزازنا بهذا اليوم هو ما جعل شمس اقليم كردستان مرسومة بإحدى وعشرين حلقة لتشير بكل وضوح الى اهمية هذا اليوم لنا وللكثير من الشعوب القريبة من الاقليم"، موضحا ان العيد في السابق يحتفل به جميع الاكراد في جميع بقاع العالم وكذلك الاتراك والايرانيون  وحتى العراقيين الذي تجدهم الآن في اغلب محافظات الاقليم هم وعوائلهم يشاركون اخوتهم الكرد طقوس هذا العيد الوطني، وبِشأن عدم  ذهابه لمشاركة عائلته في الموصل فرحة العيد، اكد سعيد ان الظروف المادية هي التي فرضت عليه البقاء بالعمل لكونه يعيل عائلة مكونة من (13) فردا لذلك يضطر الى البقاء (70)يوما في العمل  يحصل بعدها على اجازة لمدة عشرة ايام من غير مرتب بحسب قوله.
شروق الشمس ونمو الأشجار
المواطن الكردي (ديار حمو) من محافظة دهوك بين للمدى قصة اخرى عن عيد نوروز: ان حكاية كاوه الحداد كما يرويها لنا اجدادنا انه وقبل ان يقوم بقتل السلطان الظالم الذي كان يذبح الاطفال من اجل اشباع رغبات أفاعيه، قام بحيلة على ذلك الظالم وهو بدلا من ان يعطيه مخ الاطفال كان يعطيه  مخ المواشي بعد ذبحها ويقوم بتهريب الاطفال الى الجبال  وانطلت تلك الحيلة على الملك، وقام كاوه بتربية الاطفال على الجبال وحين كبروا اصبحوا جيشا كبيرا استطاع بقيادة كاوه ان ينتصر على الملك ويقتله، مضيفا ان الشمس في ذلك اليوم أشرقت والأرض بدأت تزهو بالعشب والاشجار والورورد، ومعنى نوروز ، كما يقول حمو ، هو اليوم الجديد او الضوء الجديد، مؤكدا ان هناك العديد من الاعمال التي تواكب عليها العوائل الكردية في هذا العيد مثل عمل مائدة من سبعة انواع من الطعام  جميعها تبدأ بحرف السين، اضافة الى الفواكه وغيرها من الوجبات الغذائية الاخرى بحسب قوله الذي ختمه بحسرته على عدم مشاركة عائلته بهذا العيد لارتباطه بالعمل وعدم امكانية ترك العمل في بغداد على الرغم من الظروف الأمنية المقلقة في بغداد لكن الحاجة لتوفير المعيشة لعائلته هي التي حرمته من مشاركتهم في ذلك العيد الذي يعشقه.
أغاني العيد بصوت نصرت
(نصرت حوقي) ، شاب كردي من مواليد 1997من منطقة القوش ترك المدرسة بعد وفاة والده ليعيل عائلته من خلال عمله بالفندق قال للمدى وهو يتحسر على عدم مشاركته للعائلة بهذا العيد لكونه لايذهب للعائلة احيانا لمدة خمسة شهور ،مضيفا ان العيد تتخلله الدبكات بالأزياء الكردية   الجميلة، وغنى لنا بصوت خجول  احدى الاغاني الذي تردد في ذلك العيد وباللغة التركية(جينيكي صالي تازيا  نوروز هاتو)وتعني بالعربية( في عيد السنة الجديدة جاء نوروز) وكذلك اغنية اخرى رددها بصوته (او نوروزا بيكه جوان ...سري جياي...بي ستويك نوروزا)وتعني بالعربية(21 نوروز يوم لحياة اجمل وابهى)،مضيفا ان اهم الطقوس التي تمارس في هذا العيد هي إيقاد الخشب على الجبل إيذانا ببداية العيد فضلا عن اعداد وجبات الطعام من قبل العوائل وتستمر الاحتفالات لمدة اربعة ايام وهي حافلة بالغناء والرقص وعقد جلسات الصلح بين الاصدقاء والعوائل المتخاصمة ،وتمنى نصرت ان يعود الأمان والاستقرار لجميع مدن العراق لنحتفل بهذا اليوم كما كان في السابق.
نوروز.. الفتاة والعيد
من اجمل ايام حياتي هو يوم ولادة احدى بناتي في هذا اليوم  واسميتها (نوروز) ومن غرائب الصدف ان تتزوج في محافظة السليمانية وتعيش الى يومنا هذا ، اتصلت بها من اجل مباركتها في عيد ميلادها لتقول لي وبفرح "انا اسعد الناس في الدنيا لان الجميع يحتفلون بعيد ميلادي ، واغلب  الجيران يباركونني بالعيد لمناسبة عيد ميلادي وكذلك بمناسبة عيد نوروز" ، وعن الطقوس التي يمارسونها هناك هي والعائلة تقول نوروز ان العيد يبدأ من مساء يوم 20 آذار وذلك من خلال ايقادنا المشاعل وانا وزوجي احمد واطفالي حيث نكون في تلك الاثناء على جبل ازمر نحتفل بهذا اليوم ومعنا عوائل جيراننا الاعزاء ومنهم بيت (ابو ساوين) ، حيث نعد الطعام ونرتدي الازياء الكردية ونشارك الجميع فرحتهم بذلك العيد، وبينت نوروز ان اغلب العوائل الكردية تؤجل زواج اولادها وبناتها الى هذا اليوم ، لتبقى مناسبة زواجهم مرتبطة بتاريخ هذا العيد ،فضلا عن كون جميع المواطنين يتفاءلون بعيد نوروز ويعدونه المدخل لفصل الربيع الذي يتميز كونه فصل الخصوبة ونمو الاشجار، والزواج في نوروز هو حلم جميع العوائل الكردية لذا تجد مواكب الزفاف والرقصات عامرة في ذلك اليوم كما تقول نوروز.
العيد في منصورية الجبل
(احمد علي سوران) ، من محافظة ديالى بين للمدى ان عيد نوروز يمثل يوم الفرح لجميع المواطنين في تلك المحافظة سواء أكانوا عربا او كردا او تركمانا، وتجد الجميع ومن قوميات مختلفة واديان مختلفة في منطقة المنصورية وتحديدا في منطقة الصدور وعلى ضفاف النهر، لكن اليوم انقرضت وللاسف هذه الطقوس بسبب الأوضاع الأمنية التي تمر بها المحافظة كما يقول سوران، مؤكدا انه في السابق كانت المدارس تحتفل قبل المناسبة بيوم لكونه عطلة رسمية ، اما اليوم فجميع العوائل المتمكنة ماديا لم تعد تحتفل بعيد نوروز داخل المحافظة لكون اغلبهم يتوجهون الى محافظات كردستان هم وعوائلهم ، اما العوائل متوسطة الدخل فتكتفي بتبادل التهاني فيما بينهم ، وايقاد الشموع داخل البيوت بسبب الأوضاع الأمنية السائدة في مدينة البرتقال على حد وصف سوران.
بغداد أيام زمان
يقول المواطن (رفعت محمد) بحديث استذكاري للمدى انه ومنذ الطفولة يرى جميع البغداديين ينتظرون يوم 21نوروز من كل عام بكل شوق وتلهف ويترقبون ذلك اليوم ويسمونه (دورة السنة) ، وأمنيتهم من السنة الجديدة كما يقول محمد ان تكون سنة خير ، حيث كانوا في السابق  لا يفقهون شيئا عن الانقلاب الربيعي ومصطلحات الأنواء الجوية ، مضيفا ان جده الذي قضى زمنا طويلا في كردستان يذكر ان العوائل الكردية هناك يشعلون النيران على سفوح الجبال وعلى سطوح منازلهم ،ويضيف محمد ان الجميل في بلادنا ان تتعدد العادات والتقاليد الشعبية في يوم النوروز ،مستذكرا ان جيرانه في بغداد كانوا يقضون ليلة النوروز في زيارة خاصة الى مرقد الإمام علي في محافظة النجف الاشرف، مؤكدا انه عرف وبعد سنوات طويلة(!) انهم من الكرد الفيليين.
البحتري والنيروز
محمد اوضح انه بعد ثورة تموز عام 1958 استحدثت الدولة يوما خاصا للشجرة  سمته عيد الشجرة واختارت يوم 21 من آذار لهذا العيد، مبينا "كانت معظم المدارس العراقية والدوائر الحكومية تقوم بزرع شتلات الاشجار تيمنا بهذا اليوم"، موضحا بانه عاش يوم 21 آذار عام 1970 بعد ايام من اتفاقية 11 آذار ،وكان من خلال سفرة مع بعض الاصدقاء الكرد الى صدر القناة، وكذلك من خلال سفرات الى منطقة سلمان باك، حيث كان هناك تجمع كبير يحضره جميع الناس ومن مختلف القوميات والملل ، والدبكة الكردية هي القاسم المشترك بين تلك الجموع، ويبين محمد ان العباسيين كانوا يحتفلون بعيد النوروز  وما يؤكد ذلك هو قول شاعرنا البحتري :أتاك الربيع الطلق يختا ضاحكا ...من الحسن حتى كاد ان يتكلما
وقد نبه النيروز في غسق الدجى.....أوائل ورد كن بالأمس نائما.
(هداينه) في السماوة
لم يقتصر الاحتفال بالعيد على محافظة دون اخرى من اقصى الشمال الى جنوب البلاد، وفي واجب كلفت به من قبل الجريدة ذهبت الى محافظة السماوة ،وكان لابد ان اعمل تحقيقات عن تلك المحافظة وبالتحديد عن سجن نكرة السلمان لكونه يروي لنا تاريخ معقل من المعاقل الوطنية للاحزاب العراقية التي كانت تناضل من اجل الحرية ومقارعة الاستبداد ، وروى لي احد المواطنين كيف كان السجناء هناك يحتفلون بهذا اليوم حيث يوقدون الشموع ويتبادلون التهاني وخاصة من قبل العوائل الكردية التي قام بحبسها النظام السابق في سجن النكرة، وعلى بعد 20 كم من ذلك السجن توجد هناك عين ماء تسمى (هداينة)  وفيها قبر يضم عاشقين قتلا من قبل عائلتيهما بسبب عشقهما وتعلقهما ببعضهما ،وبعد قتلهما تم دفنهما قرب تلك العين ،ولعل هداينة كما ذكر لي ابناء المنطقة  هو اسم الحبيبة، وفي عيد نوروز تحضر الى ذلك المكان العديد من العوائل للتنعم والتمتع بجمال المكان وكذلك الحرص على زيارة شهيدة الحب (هداينه).
جميع العراقيين اليوم يتمنون ان يكون عام نوروز الجديد عام فرح وأمان على الوطن والمواطن بعد ان اصبح الحزن والانكسارات والخيبات عناوين كبيرة وثابتة لحياة الناس ،ويحلمون بظهور كاوه جديد يخلصهم من الظلم الذي يعيشونه اليوم.