TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > سبات "أبو راضي "

سبات "أبو راضي "

نشر في: 19 مارس, 2014: 09:01 م

"صخام وجهي " لازمة لطالما رددتها المرحومة ام راضي ، في تأنيب زوجها وأبنائها الستة لكسلهم وترك  أعمالهم الزراعية في  الريف ، وكأنهم في  سبات طويل ، ولم تنفع توسلاتها ونصائحها في حث الأب والأبناء على  ان يكونوا فلاحين مخلصين لمهنتهم  لتوفير دخلهم السنوي ،  والابتعاد عن سماع  اغنيات بنات الريف عبر الراديو "ابو الباتري" قبل دخول الكهرباء الى قريتهم  ، فالجهاز اللعين بحسب وصفها كان سببا في تجمع رجال القرية في" ربعة ابو راضي" واستهلاك المزيد من الشاي والسكر ، كمتطلبات ضرورية لشروط الضيافة ، اثناء الاستماع الى الراديو وحتى ساعات متاخرة من الليل ، ومن ايجابيات السهرات الليلية المتواصلة ، انها منعت اللصوص من شن غاراتهم لسرقة العجول  والغنم من بيوت القرية ،  ومن سلبياتها اهمال الزوجات  اللواتي دخلن الى القفص الذهبي  حديثا ،وسماعهن اسماء ليلى مراد واسمهان  وهدى سلطان وام كلثوم  يرددها الازواج ، فأثار ذلك التساؤلات والاستفسارات والقلق والمخاوف ، من قرب دخول الضرة الى بيت الزوجة  الاولى.
لجأت النساء  المتزوجات حديثا الى ام راضي  لطرح مخاوفهن من التحول الجديد في سلوك الازواج ،  مع تخويل باتخاذ القرار الثوري المناسب لاحباط مخطط دخول الضرائرمن امثال اسمهان وغيرهن في حياة  الازواج ، المرحومة  تبنت القضية ،  وطلبت  مهلة زمنية لا تتعدى يوما  واحدا  لتدارس  المسألة "وجه وكفه "  وبحثها من كل جوانبها ،  لعلها تتوصل الى نتيجة حاسمة لحل المشكلة ،  وبخلاف  ذلك ستلجأ الى الخيار العسكري لاجبار الرجال على احترام مؤسسة الزواج  بقوة السلاح.
سهرات الرجال تواصلت  ليلا ، وفي النهار فضل الجميع النوم وكانهم في سبات عميق  ،وهواجس الزوجات  تضاعفت ، واثناء ذلك توصلت ام راضي الى حل المشكلة  بإخفاء "باتري الراديو "  والاحتفاظ به في مكان سري ، لاعتقادها بان هذه  "البلية " هي سبب اندلاع الازمة وفقدان الثقة  خاصة بين المتزوجين الجدد .
في زمن "الراديو ابو الباتري"  كان مالك الارض الاقطاعي ، صاحب نفوذ وسلطة وبموجب صلاحياته  وبوصفه شيخ العشيرة ، ابدى انزعاجه من كسل فلاحيه وفي مقدمتهم ابو راضي ، فبعث باحد اتباعه الى الرجل  للتعرف على اسباب العزوف عن العمل ، فجرى لقاء مختصر بين الطرفين  وعاد المبعوث  خائبا،  لأنه لم يحصل على سبب حقيقي مقنع للمحفوظ ، فقال امامه  انه لم يسمع سوى "صخام وجهي " من زوجة الرجل ، فظل  سر السبات مبهما ، حتى بعد اعلان اقامة النظام الجمهوري .
نساء القرية وبحكمة الراحلة ام راضي  تبددت مخاوفهن من الضرات  بعد  توصلهن الى معرفة  ان "راديو ابو الباتري" كان  يبث اغنيات اسمهان وام كلثوم وهدى سلطان وغيرهن ، فانفرجت الاسارير ، ورحل القلق ،  ولكن المشكلة الجديدة التي برزت تمثلت بانتقال السبات الى  بقية القرى والمدن  الاخرى ، فنامت  على العراقيين "الطابوكة"، ولم  يحركوا ساكنا ضد من سرق أموالهم، وأعادهم الى العصور القديمة  والى زمن الراديو ابو الباتري وبكائيات بنات الريف .

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق منارات

الأكثر قراءة

العمود الثامن: "علي بابا" يطالبنا بالتقشف !!

العمود الثامن: بلاد الشعارات وبلدان السعادة

العمود الثامن: موجات الجزائري المرتدة

العمود الثامن: المستقبل لا يُبنى بالغرف المغلقة!!

سوريا المتعددة: تجارب الأقليات من روج آفا إلى الجولاني

العمود الثامن: بلاد الشعارات وبلدان السعادة

 علي حسين نحن بلاد نُحكم بالخطابات والشعارات، وبيانات الانسداد، يصدح المسؤول بصوته ليخفي فشله وعجزه عن إدارة شؤون الناس.. كل مسؤول يختار طبقة صوتية خاصة به، ليخفي معها سنوات من العجز عن مواجهة...
علي حسين

قناطر: شجاعةُ الحسين أم حكمةُ الحسن ؟

طالب عبد العزيز اختفى أنموذجُ الامام الحسن بن علي في السردية الاسلامية المعتدلة طويلاً، وقلّما أُسْتحضرَ أنموذجه المسالم؛ في الخطب الدينية، والمجالس الحسينية، بخاصة، ذات الطبيعة الثورية، ولم تدرس بنودُ الاتفاقية(صُلح الحسن) التي عقدها...
طالب عبد العزيز

العراق.. السلطة تصفي الحق العام في التعليم المدرسي

أحمد حسن المدرسة الحكومية في أي مجتمع تعد أحد أعمدة تكوين المواطنة وإثبات وجود الدولة نفسها، وتتجاوز في أهميتها الجيش ، لأنها الحاضنة التي يتكون فيها الفرد خارج روابط الدم، ويتعلم الانتماء إلى جماعة...
أحمد حسن

فيلسوف يُشَخِّص مصدر الخلل

ابراهيم البليهي نبَّه الفيلسوف البريطاني الشهير إدموند بيرك إلى أنه من السهل ضياع الحقيقة وسيطرة الفكرة المغلوطة بعاملين: العامل الأول إثارة الخوف لجعل الكل يستجيبون للجهالة فرارًا مما جرى التخويف منه واندفاعا في اتجاه...
ابراهيم البليهي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram