TOP

جريدة المدى > مقالات رئيس التحرير > سقوط "وهم" الإعلام الحر في الغرب.. BBC وأحداث مصر نموذجاً..

سقوط "وهم" الإعلام الحر في الغرب.. BBC وأحداث مصر نموذجاً..

نشر في: 19 مارس, 2014: 09:01 م

لطالما اعتُبرت هيئة الإذاعة البريطانية (BBC)، قبل ان تلتحق بها قنواتها التلفزيونية الموجهة الى الخارج، في الأوساط السياسية والإعلامية الليبرالية "منبراً حراً محايداً" تنقل الخبر بمهنية عالية، وتطرح الرأي والرأي الآخر دون انحياز سوى للحقيقة وقيم "الحر

لطالما اعتُبرت هيئة الإذاعة البريطانية (BBC)، قبل ان تلتحق بها قنواتها التلفزيونية الموجهة الى الخارج، في الأوساط السياسية والإعلامية الليبرالية "منبراً حراً محايداً" تنقل الخبر بمهنية عالية، وتطرح الرأي والرأي الآخر دون انحياز سوى للحقيقة وقيم "الحرية ".

وفي خمسينيات القرن الماضي، كان الإقبال كثيفاً على الاذاعة البريطانية، ومتابعة نشراتها الاخبارية، وبرامجها الحوارية، كما كان الحال بالنسبة لإذاعة موسكو "صوت السلام". وبلغت المبالغة في دور الاذاعة البريطانية، حد اعتبار اجراء لقاء مع شخصية سياسية او اجتماعية او ثقافية، دلالة على "تغيّر" في المجال، او اشارة "لحظوة ما" لمن يقوده الحظ الى أثير المحطة المذكورة. 
اما بالنسبة للعراقيين والأحزاب المعارضة وجمهورها الواسع، فان وجهة الاذاعة الخبرية والحوارية، كانت موضوعاً للنقاش والتنبؤ، ودلالة على وجود خاطرٍ ما وراء الكواليس، وفي "مخادع" صانعي الحدث!
ومعروف ان BBC كيانٌ مستقلٌ عن الحكومة البريطانية، تتمَوّل جزئيا من موازنة الدولة البريطانية (المحطات والقنوات الخارجية)، بينما معظم تمويلها يأتي من مشاهدي التلفزيون المقيمين في بريطانيا الذين يدفعون ضريبة سنوية عن "رخصة التلفزيون"، أي رخصة مشاهدة محطات تلفزيون (BBC). و"استقلالية" الهيئة عن الحكومة البريطانية، لا تضعها خارج طيف مصالح الدولة البريطانية وسياساتها الاستراتيجية، ولا تجعلها صوتاً نشازاً خارج منظومتها القيمية ومبادئها العامة. لكنها في كل الاحوال تتحرك على مساحة واسعة مفتوحة على خياراتٍ في التعبير والصياغة والتنوع، وفي إطار من المهنية العالية، بحيث يميزها عن الوسائل المشابهة في مناخ أدلجة الصراع بين المعسكرين، الاشتراكي والرأسمالي، وما يدور في فلكيهما من حربٍ باردة. 
وكانت المقارنة تجري في الغالب بين "راديو موسكو " و "اذاعة لندن". والواقع ان المقارنة هي الأخرى كانت "إيديولوجية" بامتياز، ولهذا لم يكن يتناول "المهنية" و"الصدقية" في ما ينشر في المحطتين، بل الانحياز الى ما يراه الجمهور، حسب انحيازاته الفكرية والسياسية. لكن ابرز ما كانت تُتهم به اذاعة "موسكو" انها "صوت واحد" لا يتغير من حيث الرأي والتوجه، وهو رأيٌ وتوجهٌ ينطلق في كل يوم من بناية اللجنة المركزية للحزب الشيوعي السوفيتي في "ستاره پلوشت".
وبطبيعة الحال، فان احداً لم يكن يدخل في تفاصيل الآليات التي تتحكم في تحديد الاستراتيجية العامة التي تنطلق منها سياسة الاذاعة البريطانية، ومفرداتها البرنامجية، وهي آلياتٌ معقدة، متشابكةٌ، تستند الى المبادئ والمعايير القيميّة والمفاهيم الحقوقية المؤسساتية للنظام الرأسمالي. وكان القصور المعرفي السياسي والنظري للآليات المذكورة، يشكل عائقاً في ادارة جدلٍ حيوي، في ظل الاستقطاب الآيديولوجي، لاكتشاف " التشابه من حيث الجوهر "، بين الآليات التي تتحكم في ادارة الوسيلتين الاعلاميتين، والمتمثلة في "المصالح العليا " المحركة، مع اختلاف الاساليب والادوات. فالمركزية الشديدة في التحكم بآليات صنع القرار في " الدولة السوفيتية " وما يُشبهها من دول وأحزاب، تقابلها " مرونة عالية " في التفاصيل والتنوع داخل اطار "منظومة المصالح العليا "في الدولة الرأسمالية "المكوّنة" عبر عقودٍ والمتجلية في سلطات ثلاثٍ مستقلة، تشريعية وقضائية وتنفيذية، وما يُكملها من تعبيراتٍ مجتمعية ورأي عام، وحوامل "السلطة الرابعة".
وليس مطروحاً في هذا السياق، تبرير الصيغة " السوفيتية " أو المركزية في قيادة الدولة، وادارة الرأي العام ووسائلها، او في ما له علاقة بالقيم الديمقراطية وادوات الصراع في المجتمع، وغير ذلك مما يرتبط بانهيار "النظام الاشتراكي السوفيتي وتوابعه"، وما اعقب ذلك من سيادة القطبية الأيديولوجية والاقتصادية الواحدة في العالم، بل القائم للنقاش هو حقيقة ما يتكرس في الوعي العام، وفي الأكاديميات الإعلامية، من وهم "الحرية غير المقيدة" لوسائل الاعلام البريطانية المملوكة للدولة او الممولة "منها" او الاصح من "دافع الضريبة " البريطاني. وقد يشمل التعميم "تمويهياً " مختلف وسائل الاعلام المملوكة للشركات الكبرى المعولمة، او اشخاص معروفين، كما هو الحال بالنسبة لـ"مردوخ" الاسترالي صاحب الإمبراطورية الإعلامية الممتدة من بلاده الى الولايات المتحدة عبر بريطانيا وغيرها. 
ان الاستقلالية النسبية عن السياسة الحكومية، سرعان ما تراجعت، وبدت قناة (BBC) التلفزيونية، كما لو انها لسان حال الحكومة البريطانية، في الموقف من التطورات التي جرت في مصر، منذ اطاحة نظام محمد حسني مبارك، وصولاً الى الانتفاضة الشعبية المليونية التي اطاحت نظام المرشد الاخواني، وخلع الرئيس محمد مرسي العياط. ولم تعد القناة والاذاعة البريطانيتين، تخفيان ميولهما المتعاطفة دون مواربة مع الاخوان المسلمين ونظامهم المخلوع. والغريب ان هذا التأييد يتخذ احياناً غير قليلة، طابعاً سافراً لا ينسجم مع المعايير المهنية في ادارة حوارات تلفزيونية او اذاعية، وتقتضي ان لا يدخل مقدم البرنامج طرفاً منحازاً الى احد المتحاورَين او يدلي بآرائه الشخصية، او يعكس اراء ممولي القناة. 
والحال ان كثرة من الوقائع، تعزز هذا الانحياز، ومنها فضيحة نشر حادثة ملفقة عن قناة الجزيرة المنحازة بلا حرج الى جانب الجماعة، وتحولها الى عرابٍ لمشروعها الدولي. ولا يخفف من وقع الخطأ وانعكاساته على مصداقية القناة، اعتذارها لاحقاً، وتنويهها عن طبيعة الخلل.
ان المتابعين لبرامج BBC الحوارية بوجه خاص، يمكنهم اكتشاف هذا الخلل المهني، الذي يجردها من الهوية التي كادت تتكرس، بوصفها نموذجاً "خالياً من العيوب" للاعلام الحر المستقل.
وليست شبكة الهيئة البريطانية استثناء في الاعلام الغربي، مع انها الابرز، بحسب رصيدها التقليدي، بل باتت اكبر الوسائل الاعلامية في اوربا والولايات المتحدة، تكشف عن طبيعة مغايرة، لما كانت تبدو عليه، او يُنظر اليها، من جمهور المشاهدين. لقد كان انحياز هذه الوسائل الى جانب اسرائيل، وضد القضية الفلسطينية، شديد الوضوح، مباشراً ومفرّغاً من كل الاعتبارات المهنية، وهو ذات الموقف من قضايا وطنية، عربية او عالم ثالثية، مما كانت الاوساط القومية، تضعه في خانة الولاء " للحركة الصهيونية "، وتدمغه ببصمة اللوبي الصهيوني في واشنطن والعواصم الاوربية الممالئة لها. لكن الملفت، في المنعطفات الحادة، او بين خطوط التماس الحرجة، تماثل المواقف الرسمية، وكبريات الصحف ووسائل الاعلام ازاء تطورات تتفاعل في هذا البلد او ذاك، خصوصاً حين تلتقي مصالح كبريات مراكز القرار في النظام وتعبيراتها في السلطة السياسية العليا. وهذا ما يمكن ملاحظته في العراق ايضاً، وليس في مصر لوحدها، او على صعيد الموقف من التطورات التي تشهدها دول الخليج وتركيا وايران من تجاذبات وتباينات.
فهل هذه بعض انعكاسات التصدع في جدران العولمة المتسيدة وتناقضاتها..؟
وهل تجد مثل هذه التجليات في " البنية المخادعة " للاعلام في الغرب، انعكاساً مناسباً في الوعي السياسي العام، وفي المناهج والتوجهات التدريسية في المعاهد والكليات ومراكز التأهيل والتدريب للاعلام المرئي والمسموع والمكتوب والالكتروني في العالم العربي...!؟

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

جميع التعليقات 4

  1. أبو سعد

    تدفع كل عائله بريطانيه في البيت الواحد حوالي 200دولار سنويا TV LICENES من اجل بقاء الBBC مستقله عن ضغوط اي حكومه منتخبه كي لاتجيرها لاغراضها الدعاثيه ولكن يتم الخلل في ادارة المؤسسه ونوعية الضغوط التي تمارس عليها من قبل اي لوبي حزب المحافظين.. الاسرائيلي

  2. ستار العراقي

    ملاحظتان ، الأولى ، هي أن الخدمة العالمية لهيئة الإذاعة البريطانية (BBC World Service) تمول من قبل الحكومة البريطانية وعن طريق وزارة خارجيتها ، راجع المصدر الأول ، أي أن فكرة حياديتها لم تكن أصلاً مطروحة أما أن العراقيين وعبر الأجيال كانوا قد كونوا أحترام

  3. احمد الحسن

    مبارك خروجك استاذ فخري في كتاباتك الى النطاق العالمي...فقد جعلنا الهم العراقي ندور حول انفسناكالساقية......

  4. عصام عبد الأمير

    ( أن المصلحة لهي قوة عظيمة وجبارة فلو ظهرت مجموعة من المعادلات الرياضية المجردة التي لا تقبل الشك والتي تهدد مصلحة فئة من الناس لانبرى علماء يحاولون دحض تلك النظريات )أنجلز

يحدث الآن

بالحوارِ أم بـ"قواتِ النخبة".. كيف تمنعُ بغدادُ الفصائلَ من تنفيذِ المخططِ الإسرائيلي؟

تحديات بيئية في بغداد بسبب انتشار النفايات

العراق بحاجة لتحسين بيئته الاستثمارية لجلب شركات عالمية

الكشف عن تورط شبكة بتجارة الأعضاء البشرية

مركز حقوقي: نسبة العنف الأسري على الفتيات 73 % والذكور 27 %

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram