ها قد حان وقت إقامة سوق الفن السنوي الشهير ( تيفاف ) الذي أقيم هذا الأسبوع في مدينة ماسترخت جنوب هولندا ابتداءً من 14 ولغاية 23 من هذا الشهر ، وهي المرة السابعة والعشرون التي تقام فيها بورصة الفن هذه ، حيث اجتمع 275 غاليري مع جامعي الأعمال الفنية المهمة في مكان واحد لعرض ما لديهم من تحف هي الأجمل والأهم في كل تاريخ الفن . تيفاف الذي أعتبر في السنوات الأخيرة أكبر وأهم سوق فنية على سطح المعمورة والذي يقدّر عدد زواره بمئة ألف زائر خلال الأيام العشرة التي يقام فيها . ومثلما يحضر صاحبو الغاليرهات الكبيرة والمهمة من كل مكان ، يأتي أيضاً المهتمون من أماكن عديدة ، وبينهم بالتأكيد أشخاص مهمون يبحثون عن تحف فريدة موقعة من خلال أسماء لامعة في تاريخ الفن التشكيلي ، يأتي هؤلاء إلى ماسترخت عادة بطائراتهم الخاصة وهم إضافة إلى أموالهم الطائلة يحلمون بأن تلامس أصابعهم قماشات فان غوخ ، غوغان ، دالي أو بيكاسو ، ويطمحون لأن تعلّق ضمن مجموعاتهم الشخصية هذه الأعمال التي شكلت مع غيرها جزءاً مهماً من تاريخ الفن والإبداع .
لا يمكن مقارنة هذا الجمال الذي يتحرك أمامنا بنعومة مخملية مع أي محفل فني أو جمالي آخر في العالم ، هنا في كل زاوية وعلى كل جدار وواجهة ينتظرك أساتذة الفن كله ، حيث تباع الأعمال التي تتجاوز قيمتها الملايين هكذا بطريقة مفتوحة وبسيطة ، يتخللها بالتأكيد خبراء اختص كل منهم بحقبة أو فترة أو اتجاه فني معين . باستطاعة زائر هذه البورصة أن يشاهد أعمالاً لا يمكن مشاهدتها مجتمعة حتى وإن لفّ بلداناً كثيرة من أجل ذلك ، لأن أغلب الأعمال هنا يملكها أفراد ضمن مجموعات خاصة . وإضافة إلى الأعمال المصرية القديمة التي لا تقدّر بثمن والأعمال الرومانية وأعمال القرن السادس عشر والسابع عشر، ومنها أعمال ريمبرانت وفان دايك ، يظهر أمامك أميل نولده بمائياته الساحرة والغامضة ويفاجئك شاغال بنسائه المحلقات في فضاء اللوحة وكأنهن مجموعة من الملائكة ، وهناك كيس فان دونغن وأسلوبه الأنيق ، حيث نساؤه الباريسيات المترفات ، كما في لوحته التي تظهر فيها امرأة وهي تقف منتصبة بثبات فوق حصان السيرك الأبيض ، وترى في جانب آخر عملاً تكعيبياً للفنان فرناند ليجيه حيث تتداخل الأشكال والدوائر مع بعضها بطريقته ذات الخطوط السميكة المعروفة ، أو عمله الآخر الذي تظهر فيه امرأة مستلقية بخطوط قاسية مع أشكاله الشبيهة بالآلات التي أحبها هذا الفنان كثيراً . ويفاجئك الرأس المصنوع بعناية فائقة للنحات المجدد برانكوسي وهو يعرض في زاوية خاصة وكأنه يتلصص على التخطيط الأحمر للفنان العبقري دافنشي الذي علّق على جدار مقابل . وهنا لا يمكن أن تنتهي المتعة هكذا بدون الاقتراب من عمل أهم نحاتي القرن العشرين ، البريطاني هنري مور وأقصد عمله البرونزي الشهير العائلة ، حيث الأب والأم والطفل يسترخون على أريكة بمحبة ودفء ، وأحسب أن هذا العمل هو المعادل الجمالي للعمل الذي عرض في الجهة الأخرى للفنان التعبيري جورج غروس بنسائه المومسات وفظاظة أجواء الحرب العالمية الثانية أو حتى عمل الفنان النمساوي أيغون شيله حيث رسم امرأة لعوباً نصف عارية.
وحين نفكر بأن الأمر قد انتهى عند هذا الحد ، تظهر لنا أيقونة فن البوب آرت وأقصد شوربة كامبل التي رسمها الفنان أندي وارهول وهي تعيد فن الطباعة الحريرية إلى الواجهة . وفي الطريق إلى المغادرة ، لا يمكننا إلا أن نقف باحترام أمام أعمال الفنان كالدر الذي سحب النحت من سكونه بإعطائه قدرة على الحركة وكسر صمته الطويل . على كل حال ، هناك مئات الأعمال الأخرى ، وعليك أن تختار ما تريد مشاهدته جيداً لأنك مهما حاولت لا تستطيع التركيز على كل العروض والأعمال في يوم واحد . تحية إلى صانعي الجمال الذين ذهبوا بعيداً وبقيت أعمالهم الخالدة.
تحية إلى صانعي الجمال
[post-views]
نشر في: 21 مارس, 2014: 09:01 م
يحدث الآن
الأكثر قراءة
الرأي
مصير الأقصى: في قراءة ألكسندر دوجين لنتائج القمة العربية / الإسلامية بالرياض
د. فالح الحمــراني يتمحور فكر الكسندر دوغين الفيلسوف السوفيتي/ الروسي وعالم سياسي وعالم اجتماع والشخصية الاجتماعية، حول إنشاء قوة أوراسية عظمى من خلال اتحاد روسيا والجمهوريات السوفيتية السابقة في اتحاد أوراسي جديد ليكون محط جذب لدائرة واسعة من...