لم يترك الأستاذ حازم مبيضين في مقاله "حوار مع صديقي العلوي" مجالاً لي لا للرد ولا للتعقيب أو التوضيح، بهذا المعنى قد يأتي تعقيبي تحت بند "لزوم ما لا يلزم"، فالزميل الكبير ذكر بأقل من خمسمائة كلمة جلّ ما يمكن أن يقال، وكان منصفاً في معظم ما كتبه، ولا أستغرب هذا منه، إذ كان من أوائل المثقفين العرب الذين انتقدوا ومن موقع المثقف اليساري ظاهرة الشيخ الشعبوي/ الفتنوي عدنان، وقت كانت المعارضات السوريّة على مختلف أطيافها تغض البصر عما يجري في الضفة الأخرى من خطاب وممارسات طائفية يندى لها جبين البشرية، وفي حين كان يفاخر به من كانوا مربط ثقتنا من مفكرين سوريين "علمانيين" وسواهم بالتقاط الصور مع الشيخ يوسف القرضاوي تارة (برهان غليون مثالاً)، وبالاستماتة بالدفاع عن جبهة النصرة مرة أخرى ("المستنير" معاذ الخطيب)، وصولاً للطلب من اسرائيل التدخل في سوريا لصالح الميليشيات المسلحة، كما فعل لاهثاً كمال اللبواني مؤخراً!
هل تقوقع كاتب هذه السطور في خندق الطائفيّة حقاً؟ ماذا تنتظرون من شخص وضع روحه على كفيه ما بين عامي 2004- 2009 (والأخيرة هي سنة ابتعادي عن العمل المُعارض) فكان يدافع بصدق وقناعة عن الناشطين والمعارضين السوريين على مختلف انتماءاتهم الاثنية والدينية والمذهبية والسياسية عبر وسائل الإعلام المتاح (منه اللبناني وحتى الأردني)، فكانت مكافأته أنهم يريدونه معهم كونه ينحدر من الطائفة العلويّة لا لسبب آخر!؟ هل تتسع سطور "المدى" للمزيد من البوح أو الفضائح في هذا الجانب؟ هل يتسع المقام للحديث عن طائفيّة المعارضة ودورها في تصنيع الطائفيّة؟!
أستاذ حازم، أخشاك إن صارحتك و أخاف الله إن حابيتك، فما تطلق عليه ثورة، لم يكن مطلعه كذلك وإن رفع يافطات مشروعة، فما بالك بعد أن امتلأت الأرض السوريّة بـ"الجهاديين" القادمين من جهات الرياح الأربع! هل الشيشاني والأفغاني والفرنسي والأمريكي والإنكليزي.. الخ صاروا ثواراً في سوريا وأصحاب حق فيها؟ وأي ثورة هي التي تحزّ الرقاب وتبقر البطون وتقوم بالتطهير على أسس دينية ومذهبية وإثنية وحتى سياسية!؟ أي ثورة هي التي تتعمّد تدمير البنى التحتية العائد نفعها للشعب لا للشخص؟ أي ثورة هي التي تكون إحدى شعاراتها وهي في بواكيرها "العلوي ع التابوت والمسيحي لبيروت"؟ وهذا ما انتقده مبكراً العالم فراس السواح فجن جنون الرسّام علي فرزت!
نعم الوضع الذي كان قائماً في سوريا قبل الانفجار كان يحتاج إلى ثورة فعلاً، وبحكم كوني أقطن الساحل السوري، رأيتُ بأم العين جثامين الشهداء وهي في طريقها إلى مثواها الأخير في جبال الساحل، في زمن تواطأ فيه الإعلام الخليجي مع زمرة من منتفضي الداخل وقادة الحراك ليقلبوا الصورة رأساً على عقب زاعمين إنها "ثورة" سلميّة، يومذاك لم تكن تُلقى البراميل من الطائرات، وعندما دخل "الثوار" إلى مساكن صيدا في محافظة درعا نيسان 2011 بغرض سبي النساء (وهذه الحادثة ليست نقلاً عن النظام وإعلامه وإن قالا بها) لم تكن الدبابات قد طوقت بعض المدن، وعندما بدأ ذبح عناصر مفرزة نوى(نيسان 2011) ومن ثم نحو 120 عنصر أمن في جسر الشغور (هل ثمة من يذكرهم؟) في الخامس من حزيران 2011 لم تكن حدثت مجازر البيضا ولا الحولة ولا التريمسة! وكانت المعارضات السوريّة تبارك كل تلك المجازر مادامت تطال فئات وقطاعات توالي أو تتبع للدولة. نعم, قد تكون –كما أفترض- جرت مظاهرات سلمية هنا وهناك وتم التعامل معها من قبل بعض أجهزة الدولة - لهذا السبب أو ذاك- بخطأ متعمّد أو غير متعمّد، لكن الحقيقة التي لا مناص منها إن قادة الحراك يومها، لم يكونوا يرون الوطن بل كانت أعينهم تنصبّ على السلطة والمناصب وإن كان دونها تدمير الإنسان والوطن، وما يثبتُ صحة قولي هذا هو ما وصلنا إليه راهناً! نعم يا صديقي حازم، أعترف –وهذا ما قلته مراراً- بأني لست سعيداً بمعظم ما كتبته خلال هذه السنوات الثلاث –لاسيّما في بدايتها- التي فاضت بدمائنا ودموعنا، لكني لستُ نادماً على معظم ما كتبته أو لكل موقف اتخذته، ليس لأن الوقت لا يتسع للندم، بل لأنّ ما كُتب أتى في سياق محدد فرضه جنون فُرض بدوره على السوريين ولم نكن ندرك أنه سيطول.. جنون أرجو أن تكون نهايته قريبة. لم يعد من المجدي في سوريا الآن إلقاء التهم وتحميل المسؤوليات، فالأفضل لنا، نحن السوريين، العمل على وقف شلال الدم السوري بكافة السبل، والسعي الحثيث لإعادة اللحمة الوطنية التي تشوهت دون أدنى شك، لكن يبقى السؤال: هل ما زال أمرنا في يدنا؟
كتب الزميل حازم مبيضين في عموده السابق، عن الاستقطابات الطائفية التي اصابت الوسط الثقافي العربي وشملت احياناً، مثقفين بتاريخ نقدي عميق. وتحدث عن صديق سماه "ابو حسن" لتحوطات معينة. وورد الى المدى هذا التعقيب من أبي حسن المتواجد في سوريا. وننشره هنا اغناء لمجمل الملابسات التي تخلق الانقسام داخل الجسد الثقافي العربي.