العربة بعجلتين او ثلاثة باحجامها واشكالها المختلفة وحتى أسمائها رافقت العراقيين منذ القدم ، واجدادهم القدماء باختراعهم العجلة المصنوعة من الحجر او الخشب ثم المعادن استخدموها في الحروب والتنقل، والنزوح من مكان الى اخر ، والفرار من الغزوات الخارجية ، بحثا عن ملاذ امن في مراحل ضعف الدولة وعجزها عن توفيرالامن لشعبها ، والدفاع عن حدودها .
العربة "العربانة" باللهجة العامية الدارجة ، استخدمت من قبل كل شعوب الكرة الارضية ، ثم تخلت عنها بعد عصر الاختراعات ، ولكنها في العراق ظلت محافظة على حضورها ، تسير في الشوارع العامة وسط العاصمة مع السيارات باحدث موديلاتها، وانواعها ، وباستثناءات قليلة تصدر قرارات بحظر سير العربات التي تجرهاالحيوانات، والاخرى "الدفع " لاسباب تتعلق باجراءات احترازية للحفاظ على الامن خلال ايام المناسبات الدينية ، واقامة مؤتمرات دولية في العاصمة ، وقبل عشرات السنين صدر قرار بمنع سير العربات "الربلات " فاذعن اصحابها للقرار وتركوا مهنتهم ، فاختفى الربل والعربنجي من المشهد، وحرم الجيل الجديد من ركوبه ، فيما ظل الجيل السابق من الرجال والنساء ينقلون للابناء والاحفاد حكايات طريفة عن الربلات واصحابها مع ابداء الاسف الشديد على غيابها ، وظهورها في الافلام السينمائية والمسلسلات التلفزيونية القديمة فقط ، الحكايات كانت تحمل اشارة واضحة الى زمن الاسترخاء والحنين الى الماضي بوصفه شهد استقرارا امنيا وسياسيا نسبيا اما حاضره فكان بداية الدخول الى فصول الجحيم .
العربانة الدفع رافقت العراقي في محنته الممتدة الى عشرات السنين ، استخدمها في نقل مفردات البطاقة التموينية ، من الوكيل الى المنزل ، وقناني الغاز السائل وجليكانات النفط ، في موسم ازمة شح الوقود ، فولدت حالة من الالفة بين العربة واصحابها ، لانها خير معين لهم في الشدائد ، يدفعها صاحبها برفق مبتعدا عن الطرق الوعرة ،ومطبات المجاري ، وحين يواجهه جدار او حاجز امني يلتزم بالمثل الشعبي "امشي شهر ولاتطفر نهر " ليعطي لعناصر الاجهزة الامنية الذين حولوا الاحياء السكنية الى ثكنات عسكرية الدليل القاطع على تعاونه ، والتزامه بالقانون والضوابط والتعليمات الرسمية ، وهذا السلوك اكتسبه العراقي عندما خضع للتلقيح بمصل" السكوت من الذهب" والسير بمحاذاة الحيطان والحذر من آذانها بالامتناع عن الكلام خشية انيقوم الحائط بكتابة تقرير يرفعه الى الجهات المختصة ، ويتحول بقدرة قادر الى مخبرسري مكلف بمراقبة العملاء والخونة المرتبطين باجندات خارجية ، تهدف الى افشال العملية السياسية ، واسقاط النظام الديمقراطي بعربانة دفع صاحبها نائب ضابط متقاعد من منتسبي الجيش العراقي المنحل .
العراقيون الملقحون بمصل ( السكوت من ذهب ) كانوا يتدافعون امام دوائر التجنيد للحصول على كتب سوقهم لاداء خدمة الاحتياط ، وعندما يقطع الطريق لمرور موكب مسؤول كبير بحجم الثور او الفيل ، والوصف هنا للموكب وليس للمسؤول ، يشغل منظومة المشي السريع ليصل الى مقصده ولا يخطر في باله الاحتجاج او الاعتراض، لخضوعه الى تاثير مفعول اللقاح .
عربانة العراقي
[post-views]
نشر في: 21 مارس, 2014: 09:01 م