TOP

جريدة المدى > عام > أربعُ محاولاتٍ فاشلة

أربعُ محاولاتٍ فاشلة

نشر في: 20 أكتوبر, 2012: 04:52 م

عواد ناصر

محاولة 1
في الحقائبِ يتجمّعُ المكانُ، وعلى رفوفِ الذاكرة ترقدُ ألوانُ الحياةِ القديمةُ، والليلةَ ألفِقُ ضماداً ما لطريقٍ جرحتها عُكازّةٌ يابسةٌ، بينما يتثبّتُ الظلُّ في قماشة الضوءِ، وعلى مقربةٍ من هذا الكلام طبيعةٌ صامتةٌ: قنينةُ نبيذٍ خضراءُ وجبنةٌ بائتةٌ ورأسُ جزرٍ بنفسجيّ طازجٌ فوقَ العادةِ.. وما زالتِ الحقائبُ تتجمّعُ في المكانِ بانتظارِ عربةٍ اسمها اللعبةُ، واللعبة انتهتْ، والليلةَ ألفّقُ أعذاراً لحماقاتي وأنا على وشكِ قناعةٍ واهيةٍ بأن سفراً ما، أيَّ سفرٍ كانَ، لا يقتضي كلّ هذه الحقائبِ حيث يتبعثر المكانُ بين أصابعي، ويسيلُ على السطور بلا حبرٍ يُذكرُ وليس بمقدوري – أنا الشاعرُ كما يقالُ – ترميمُ تاريخٍ من التصدعاتِ الكبيرةِ، بينما قريباً من خيالي طبيعةٌ متفجرةٌ: قنينةُ النبيذِ الخضراءُ سقطت وتحطمتْ والجبنةُ تعفنتْ جداً ورأسُ الجزرِ ما عاد بنفسجياً ولا طازجاً فوقَ العادةِ.. وثمة امرأةٌ تحدّقُ بي من بعيدٍ، لها أسى الزورقِ الذي فقد ثقته بالأنهارِ كلها.
محاولة 2
حاولت أكتبُ..
كان الوقتُ في غسقٍ،
فأعتمتْ كلماتي،
إنه غسقُ.
حاولتُ أرسمُ شمسَ اللهِ في أُفقٍ،
فلم أجدْ أُفُقاً،
ولم أجدْ شمسَهُ
أو ظلَّهُ،
فبكتْ عصفورةٌ عندما
رأتْ شجيرةَ حزنٍ
في خريفِ الروح تحترقُ..
فقلت: أصمتُ، علّ الصمتَ تأسيةٌ،
وربّما سكنتْ أوجاعُ مقتبلِ السبعينَ في جسدي،
وربما زاد فيه الخوفُ والقلقُ....
محاولة 3
أقولُ لها عَبرَ طاولةِ الحانةِ (حانةِ الحصانِ الأسودِ): أنتِ جميلةُ مثلُ ساقيةٍ شُقّتْ للتو رغم أنّك معتّقةُ مثلُ هضبةٍ معشوشبةٍ، ووحيدةٌ مثل حبّة بُنٍّ بلا معنى، أو زرّ قميصٍ نسائيٍّ يتدحرجُ حتى حضنِ الضيف.
وتقولُ لي: أنا مشتاقةُ وأريد قبلةً، أو أكثر، لعلّ القصائدَ ستجيءُ مبللةً بالرعشةِ، كما يحدثُ على سريرٍ حنونٍ، ولكنّ المسافاتِ أبعدُ مما بين الشفةِ وأختها، وأقربُ مما يؤلفُ الخيالُ الخِصبُ المزروعُ بمؤونةِ الجائعينِ.
أقولُ لها: لقد تمكّنَ الزمنُ/ الدكتاتور جدّاً من أبنائه الصغارِ فأحالهم إلى عصافيرَ هرمةٍ.. هل رأيتِ عصفوراً هرماً؟ أو عصفورةً على نقّالةِ إسعافٍ؟
إذنْ، العشاقُ لا يهرمونَ ولا يحملهم الزمنُ/ الدكتاتورُ على نقّالةِ إسعافٍ.
الزمنُ هو من يهرمُ.. كم عمرُ الزمن؟
أحبّكِ.
محاولة 4
ماذا تكتبُ عند ذبولِ الأوراقْ؟
عند مسافةِ دهرٍ أطولَ من هذا الليل الأفّاقْ
ماذا تكتبُ يا هذا؟
والليل يسدُّ منافذَ كلماتِ الروحْ..
حتى أن الشمعةَ، وهي تسيلُ على صحنِ الشمعةِ، تشبه قمراً مجروحْ.
ومحطةُ هذا السفرِ اليوميّ إلى نفسِكْ
تتكرّرُ فيها أثقالُ الحاضرِ، كالماضي، وكأنّكَ محمولٌ نحو الجزرِ المجهولةْ.
في الشباكْ،
ثمة ليلٌ سيسيلْ..
مصباحِ الشارعِ يذوي بعد قليلْ.
تحت الجلدِ شراراتٌ ما،
ثمّ حصانٌ يضربُ بالحافرِ فوق الحافرِ فيضيء العالمُ
مثل ألاعيبِ الساحرْ
أسخفُ ما يصدرُ عن شاعرْ
 حين يقولُ أنا جدّ حزينْ.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

حوار بين مارسيلو غلايسر وسابين هوسنفلدر

كتاب "الموسيقى و الحياة" كيف نختار عنوان المؤلَّف الموسيقي؟

في رواية "شارب الضباب": غويوم جاليان يكشف عن كنوز عائلته وتراثها الجورجي

"الخالدون": معاينة حدثٍ من زاويتين متكاملتين جمالياً

"يونان" و "آلام الفقد"بمهرجان سيدني السينمائي الدولي

مقالات ذات صلة

عام

"الخالدون": معاينة حدثٍ من زاويتين متكاملتين جمالياً

قيس قاسم الثورات والانتفاضات الجماهيرية يُمكن أنْ تُحبَط. لكنْ، أيمكن أن تُحبَط معها آمال مشاركين فيها وأحلامهم، إلى الأبد؟ تأخذ المخرجة السويسرية مايا تشومي (1983) هذا السؤال إلى بغداد، لتُعاين مآلات "انتفاضة تشرين" العراقية،...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram