ليس صحيحاً أن "تحرير" مدينة يبرود السورية، من التنظيمات الإسلاموية التي سيطرت عليها، يُعد نصراً استراتيجياً لقوات حزب الله المدعومة بالجيش السوري، ذلك أن أسباب الهزيمة تعود إلى تشرذم المعارضة وانعدام الثقة بين مكوناتها من جهة، وإلى الحرب المُستعرة بين "داعش والنصرة"، التي أدت إلى تسيّد أمراء الحرب الطائفيين والشقاوات، ودفعت من كان يؤمن بالثورة وأهدافها إلى الانسحاب من المشهد، كما أن التدخل الحاسم لقوات حزب الله وحلفائها من التنظيمات الطائفية، شدّد من عزيمة الجيش الذي استعاد ثقته بالقدرة على تحقيق "الانتصارات"، التي كان كل مخلص يتمنى لو كانت في الجولان، وليس في القصير ويبرود.
يأتي "انتصار" يبرود بعد المواقف العربية والغربية المتخاذلة في دعم معارضي الأسد، والمكتفية بتصريحات إعلامية جوفاء، ما يؤكد أن ساعة الحسم لم تعد قاب قوسين ولا أدنى، فالغرب مُنشغل بأوكرانيا، والعرب مُنشغلون بخلافاتهم، وأبرزها الحرب ضد تنظيم الإخوان المسلمين، ما أسفر عن أزمة عميقة في مجلس التعاون، الذي راهن على سقوط الأسد، والأتراك غارقون في خلافاتهم الداخلية المتفجرة، وحلفاء الأسد يأخذون زمام المبادرة، من حزب الله إلى حركة الجهاد في غزة، وإيران تنام على حرير اتفاقها مع الغرب حول برنامجها النووي، تاركة لحليفها في بغداد مهمة خوض حرب غير مقدسة في الأنبار، لكنها تحظى بدعم دولي، لأن عنوانها هو القضاء على داعش، وكل ذلك أفضى إلى انعطافة استراتيجية في الوضعين الأمني والسياسي، ما يشي بأن حالات "الانتصار" ستنتقل إلى حلب وغيرها، تمهيداً للانتخابات الرئاسية، التي ستمنح الأسد فترة رئاسية ثالثة تليها رابعة، وبعدها يتم تعديل الدستور، لبقائه في قصر المهاجرين إلى الأبد.
ليس صحيحاً أن معارضي الأسد فرّوا من يبرود كالفئران المذعورة، فقد استمرت مقاومتهم أكثر من شهر، وهم يتصدون لتحالف قوى مُصمم على اجتياح المدينة، وإن كلف ذلك تدميرها، وقد أعدّ لذلك جيداً، وصولاً إلى تأليف أغاني الابتهاج بالنصر، قبل خوض المعركة التي اصطبغت باللون الطائفي الفاقع، لينتقل شررها إلى كومة القش اللبنانية القابلة للاشتعال، بعد ثبوت جدوى قيادة حزب الله لهذا النمط من المعارك، وسيكون على هذا الحزب دفع أثمان باهظة لجمهوره، حين يتوالى وصول جثامين مقاتليه من جبال القلمون المحررة، وهم كما ينبغي القول، انضموا للحزب للدفاع عن جنوب وطنهم، قبل أن يتم شحنهم طائفياً لخوض المعركة ضده في غير أرضها، وضد شعب اعتاد دائماً بكل طوائفه، دعم ذلك الحزب "المقاوم والممانع".
إلى أين من هنا، وهل تتعلم المعارضة من درس يبرود، بعد فشلها في التعلم وأخذ العبرة من درس القصير، وهل بات على اللبنانيين دفع أثمان مغامرة الشيخ حسن نصر الله في سوريا، وهو مصمم على الاستمرار فيها إلى آخر مدى، وهل يكون الحل سورياّ في عقد مؤتمر وطني، يضم كل القوى الطامحة للتغيير نحو الأفضل، واعتماد أسس جديدة لاختيار قادة المعارضة لاتعتمد الصوت العالي والمجعجع، وتتفق على إحترام الإختلاف ووحدة الهدف، والتأكيد مجدداً على المبادئ التي انطلقت بها الثورة السورية السلمية، لبناء دولة الحرية والتعددية والديمقراطية، لتكون لكل أبنائها بغض النظر عن انتمائهم الديني أو المذهبي أو العرقي؟ وذلك أمل كل المخلصين.