اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > مقالات رئيس التحرير > في واقعة قتل الدكتور محمد بديوي: أن تكون إعلامياً.. تحمل معك سرّ استشهادك..!

في واقعة قتل الدكتور محمد بديوي: أن تكون إعلامياً.. تحمل معك سرّ استشهادك..!

نشر في: 22 مارس, 2014: 09:01 م

سقط شهيد آخر، أعزلَ، مجرداً من أيّ سلاح جارح، سوى فكرة يظل يُقلّبُها في ذهنه، ويعيد صياغتها قبل ان تتحول إلى سلاحٍ يرتعب منه الحاكم الجائر، والمُتلبس بالجرم العام الذي يذهب ضحيّته كل يوم مئات الضحايا، ويتحول الشعب الأعزل إلى هدفٍ مُسلٍّ، لا يأبه به و

سقط شهيد آخر، أعزلَ، مجرداً من أيّ سلاح جارح، سوى فكرة يظل يُقلّبُها في ذهنه، ويعيد صياغتها قبل ان تتحول إلى سلاحٍ يرتعب منه الحاكم الجائر، والمُتلبس بالجرم العام الذي يذهب ضحيّته كل يوم مئات الضحايا، ويتحول الشعب الأعزل إلى هدفٍ مُسلٍّ، لا يأبه به وبمحنته أشباه الرجال، أشباه الحكام، أياً تكن هوياتهم الفرعية.

فالقتل على الهوية، واستباحة الكرامات، وامتهان الحقوق، اذ تصبح "عادة يومية"، ومشهداً يتطاير في كل انحاء البلاد، تفقد أهمّيتها، ولا تشكل مدعاة لملاحقة المجرم الحقيقي "المستهتر" بحرمة الروح الإنسانية، ومعنى الفقدان، ما دام ممكناً تحويل النزيف غير المنقطع إلى تميمة تحفظ له كرسي الحكم وما يدره من امتيازٍ وجاهٍ ومالٍ سحت حرام.
الشهيد الدكتور محمد بديوي، سقط أمس مضرجاً بدمه الزكي في بغداد، برصاصة قاتل يحمل بدلة قوات حكومية، وعلى كتفه شارة الحرس الرئاسي، لأول مرة، بغياب الرئيس جلال طالباني الذي لم يكن ليتردّد لحظة واحدة، ودون أن يستمع إلى تبريرٍ أو تفسيرٍ، في وضع القاتل في دائرة الإدانة وتسليمه إلى الجهات القضائية، للتحقيق والمحاكمة وإنزال العقاب الرادع به.
الصحفي والإعلامي أصبح هدفاً غير مكلفٍ، فلا هو قادرٌ على حماية نفسه، وليس له ما يتكئ عليه للذود عن حياته، وخلق البيئة التي تؤمّن له ممارسة مهمته في الكشف عن الحقيقة، ومتابعة المظالم التي تقضّ مضاجع الناس، وتجرح حساسيتهم الإنسانية.
الإعلامي يضع هويته على صدره، دون ان يدري أنها ستكون اينما اتجه، وفي أي حقلٍ ملغوم تحرّك، علامة استشهاده، والهدف الذي يُغري القاتل بالتصويب نحوه بدقة المحترف، وحقده على حامل الهوية. فالقاتل يعرف ان الهدف مكشوف الظهر، بلا حول ولا سلاح. مقتحمٌ بقوة إقدامه على جلاء المستور، واستكمال البحث عن الحقيقة المغيّبة، أياً كان من يسعى للتمويه عليها.
القاتل، لا يحمل هويته على صدره، بل يُشهر سلاحه، ويُكشّر عن انيابه وهو ينظر الى الضحية بدمٍ باردٍ مسموم. وقد تعددت هوية القاتل الذي يبحث عن الاعلامي، لانه مطلوبٌ، يُغري "العلاّسة" الذين يمهدون طريق القاعدة وداعش والميليشيات الاجرامية، للوصول اليه. لكنه هدفٌ لا يحتاج الى "علاسة"، حين تستهدفه حماية مسؤولٍ، او قوات سوات وهي تطارد متظاهرين مسالمين، يحتجون على نقص خدمات او التعدي على الدستور والحريات وانتهاك الحرمات والكرامات واغتصاب السلطة.
ليس بالسلاح وحده يُقتل الإعلامي، بل بالتعدي المجاني عليه، كلما أراد أن يغطي حدثاً أو يلقي الضوء على مسارٍ يبدو غامضاً، أو حتى حين يقوم بمجرد متابعة نشاطه اليومي الذي لا يستهدف جهة بعينها أو مسؤولاً. وأقسى ما يواجهه الإعلامي، قد يراه البعض منهم، أشد وقعاً من الموت نفسه، وذلك عبر محاولة سلب كرامته وامتهانها، والسعي لشراء ذمته وتطويعه لما يتعارض مع قيمه وشرفه المهني، ويُخيّره بين ذاك وبين التحول الى موضوع للشهادة، حياً أو ميتاً.
ليس دم الإعلامي أزكى من دم العراقيين والعراقيات الذي يُسفح كل يوم، بل كل لحظة، ودون ترتيبٍ او تفريقٍ على الهوية، لكنه علامة تختزل معنى موت العراقي في هذا الزمن، حيث القاتل يتخّفى، ويتلون، بزيٍ إرهابي مكشوف أو متستر، أو بلباسٍ وهوية حكومية مسروقة، أو متواطئة. وفي كل مرة، يجري تسجيل الجريمة ضد "مجهول" أو تُمرر بحكم تقادم الزمن، ليطويها النسيان، خصوصاً اذا كانت الجريمة معروفة بالصورة، كما حصل للشهيد محمد عباس، المدرب الرياضي المشهور الذي ترك نعيم الدانمارك، ليُقتل ضرباً وتجريحاً من افراد سوات، وبينهم قريب اكبر مسؤولٍ في الدولة، وليستشهد في "نعيم عبعوب"! والجريمة المروّعة تآكلت بحكم تقادم الزمن!
لقد نسي الناس فواجعهم، بعد ان رأى كثرة منهم، جسد الشهيد محمد بديوي، مضرجاً مسجىً في نثار دمه الطاهر، وربما شعر البعض منهم، بقوة السلطة وهي تتخذ أقصى الجاهزية لاقتحام مجمع الرئاسة بحثاً عن القاتل الهارب، لا لتحمي حرمة القتيل وتأخذ بدمه الطاهر، بل لتدُك آخر ما تبقى من هيبة الدولة الفاشلة في غياب رئيسٍ كان بامكانه ان يمنع الجريمة، ويأخذ بحق البلد التي انتهكت حرماتها، دون مساءلة او ملاحقة او اجراء.
لقد ألقت قوات حرس الرئاسة القبض على الجاني، وهي بذلك قدمت مثلاً في الخضوع للقانون، والامتناع عن حماية الجريمة وتبريرها، مما يجعلها سابقة، يفترض أن تشجع على فضح الجهات التي تحمي قتلة الشهيد المدرب محمد عباس، والشهيد هادي المهدي، والشهيد كامل شياع، وعشرات الشهداء الاخرين، ومنع اسدال الستار على جرائم قتلهم، وتسجيلها على ذمة مجهول معروف الهوية والانتماء.
والقاتل لابد ان ينال ما تفرضه العدالة، والامتثال لها يجب ان يتحول في الوعي العام الى ثقافة، لكن حذار من تحويل دم الشهيد الى قميص آخر، يجري التلويح به في الدعاية الانتخابية، وحذار من السماح لمن يتصيد في المياه العكرة، فيشعل بها فتيل فتنة، لتظل أزمة مفتوحة تشعل نيراناً وحرائق...
القتل المجاني العبثي، صار ثقافة تسود، مع سيادة عسكرة المجتمع، بعد ان جرى اعتمادها، كبديلٍ عن ثقافة الإصلاح، والمصالحة المجتمعية، والتوافق الوطني، والاحتكام إلى الدستور والقيم الديمقراطية والمواطنة الحرة..
ولا سبيل لردع القاتل، وإزاحة ثقافة القتل والجريمة، الا عبر نهوض جماهيري ديمقراطي، يعيد للناس الأمل والثقة بالمستقبل..

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

جميع التعليقات 11

  1. علي السالم

    الاستاذ فخري كريم المحترم..انا متابع جيد لمقالاتكم في جريدة المدى لم الاحظ سابقا انك ممكن ان تدافع عن اي خطأ تراه لكني اليوم ارى انك اقحمت جلال طالباني فيما ليس له وقد حاولت ان تبرأه من اخطاء الفوج الرئاسي فأدنته من حيث لاتدري هذا اولا اما ثانيا فنحمد الل

  2. حامد اسماعيل حسين

    بسم الله-وانا لله وانا اليه لراجعون بالامس سقط شهيد عراقي مثل مئات الشهداء الذين يسقطون يوميا في العراق لكن جريمة قتل دكتور محمد بديوي بدم بارد لايرضي اي صاحب ضمير ويجب ينال المجرم جزائه العادل هنا كلنا نتفق انها جريمة قتل لكن يا المالكي نحذرك ككورد ان

  3. هيوا الكردي

    تحية للسيد رئيس التحرير ولكلمته القيمة وكلنا ضد هذه الجريمة البشعة ، والذي شد انتباهي هو سرعة استجابة رئيس الوزراء للحادث ووصوله إلى موقع الجريمة ، وهناك العشرات يقتلون يوميا وبدون ان ترف له جفن ، فهل كانت هذه الحادث مطلبا لرئيس الحكومة لكي يثير طائفيته ا

  4. سامر سالم

    الى الأخ هيوا الكردي قبل أن تستغرب وتتعجب من رد فعل السيد المالكي عليك أن تدين أولا هذا العمل الأجرامي

  5. حقب اسماعيل

    ياعديمي الضمير يا اسوء خلق ﻻتنشروا تعليقي لانكم ﻻتحملون شرف المهنة انتم وكبيركم ﻻنه ﻻ يتطابق مع نهجكم المنحرف والمسود . انا اعلم انه ليس لكم جين فكونوا احرارا في دنياكم.اﻻبئس القوم انتم

  6. سامي

    تحية طيبة استاذ فخري،رحم الله الدكتور البديوي، :يبدو ان مصطلح الدم بالدم اصبح هو الحل الذي يلجا اليه نوري المالكي ، كما لجا اليه في الانبار و الكثير من المناطق الاخرى في العراق ...والاغرب من ذلك هو بعض وسائل الاعلام... لقد اتجه نوري المالكي الى الجادرية و

  7. ابراهيم

    بالتأكيد، يجب في البدء إدانة الجريمة الغريبة والمثيرة للريبة لاسيما بعد افتضاح المستفيدين منها لكني أتساءل أين كان نوري المالكي حين قتل كامل شياع بدم بارد وأين كان نوري المالكي حين قتل هادي المهدي بدم بارد ام ان برودة الدم هنا اكبر من الجرائم السابقة وحت

  8. ابو سجاد

    الحقيقة لاارى غرابة بالامر يوميا تهدر دماء عشرات العراقيين وبدون ذنب ويوم بعد يوم تزداد اعداد القتلة ومن جميع فئات المجتمع وكانه شيء غادي جدا ماذا فعلنا هل وقفنا وتوحدنا واعتصمنا ووضعنا حدا لنزيفنا كل هذا دليل على غياب الاعلام الحر الذي الذي تقاعس عن تادي

  9. طارق الجبوري

    الاستاذ العزيز ابو نبيل المحترم كلمة موضوعية والكل ضد الجريمة ومن اية جهة كانت ومنها استشهاد المرحوم محمد بديوي غير ان ما يؤسف له سعي البعض لجعل هذه الجريمة وكأنها مقصودة ومبيت لها واشعال نار فتنة جديدة وهو ما يفسره موقف رئيس الوزراء الغريب ومقولته الد

  10. طارق الجبوري

    الاستاذ ابو نبيل المحترم كلمات موضوعية فليس هنالك من لايستنكر جريمة قتل الشهيد محمد بديوي غير ان الاسف كله على من يحاول تسيس الجريمة من دون ان يدرك عواقب ذلك والا فما معنى او تفسير الدم بالدم .. انا عراقي عربي قومي الاتجاه او كما تسموننا قو مجية غير انني

  11. قارئه

    لا ناقة لنا ولا جمل بكل ما يتعلق بامتيازات العملية السياسية المقبلة أو المدبرة إلّا ما يتعلق الأمر بمستقبل عراقنا جميعا ؛ لذا نتمنى أن لا يُسحب تعليقنا هذا لخانة سياسية بعينها ، لكن رحمة بالحقيقة نقول : إنَّ مشاهد الجريمة التي أودت بحياة رجل أعزل مسالم حد

يحدث الآن

نادٍ كويتي يتعرض لاحتيال كروي في مصر

العثور على 3 جثث لإرهابيين بموقع الضربة الجوية في جبال حمرين

اعتقال أب عنّف ابنته حتى الموت في بغداد

زلزال بقوة 7.4 درجة يضرب تشيلي

حارس إسبانيا يغيب لنهاية 2024

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram