اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > صديقي شهيد القتل المجاني محمد بديوي

صديقي شهيد القتل المجاني محمد بديوي

نشر في: 22 مارس, 2014: 09:01 م

بالأمس ودعنا الصديق والزميل محمد بديوي والذي كان مقتله، نقطة سوداء في جبين العراق الذي توهم أبناؤه أنهم طووا صفحة القتل المجاني وعسكرة المجتمع ، بكل ما فيها من ظلم وإرهاب، وان المستقبل سيفتح لهم أبواب الحرية والديمقراطية.
إن المشهد الذي حدث امس يقول إن أشياء كثيرة لم تتغير، وأن هناك من لا يريد أن نمضي نحو مستقبل آمن، والدليل جريمة مقتل محمد بديوي، وهي تكرار لجرائم كثيرة ارتكبت وسترتكب في المستقبل وإن اختلفت التفاصيل والوجوه، فالذي حدث أن مواطنا يفقد حياته بمنتهى البساطة لأن القانون جرى تغييبه وتجاوزه، من البصرة إلى بغداد مرورا بالأنبار وكربلاء المتهم واحد: شخص ما قرر أن يطلق الرصاص على القانون ويتصرف منطلقاً من إحساس متضخم بالسلطة والنفوذ، قتل محمد بديوي بدم بارد، فالصوت الذي أصرّ على أن يكون نقياً وواضحاً أُخرس برصاصة في الرأس، لكن القاتل نسى أن محمد بديوي باق وسيغيّب جميع القتلة،سيبقى بابتسامته الرائعة وملامحه الطفولية في قلوب كل العراقيين الشرفاء.
من يعرف الصديق الراحل جيدا يكتشف فيه تلك الاندفاعة العفوية وهي الوجه الآخر لسيرتها لواثقة وقناعاته الراسخة وإيمانه العميق بالنهايات المنتصرة لقيم التغيير والعدالة الاجتماعية، لقد أدرك بديوي على نحو مبكر أننا يجب أن نعيش عصر المستقبل، كان الإيمان بالمستقبل يتخلق تدريجيا في وعيه وبسبب شغفه بقضايا الناس التي تفرغ لها والتي أغوته بإمكانية إنطاق الكثير من المسكوت عنه والوصول إلى عالم جديد.
المرة الأخيرة التي شاهدت فيها صديقي الراحل كانت قبل اسبوع في واحدة من فعاليات بيت المدى التي كان يحرص على حضورها بصحبة بعض الأصدقاء، كان وجهه مفعما بالحيوية وروحه المرحة ولسانه لا يكفّ عن التقاط الأفكار، تحدث عن مشروعاته وعن إيمانه بالمستقبل الذي لا يمكن بناؤه بأفكار معاد تصنيعها من منتجات الماضي. كان يدرك بان قيمة الحياة في المستقبل، ولأن الوطن، لم يكن بالنسبة له، وطنا بالمعنى المجرد، ترسمه ذكريات وأحداث، ولا هو وطن، تحدده سياسات وشعارات، وإنما هو مغامرة، مغامرة ليست فقط في العيش في بلاد هي الأخطر وإنما في بلاد هي العشق، العشق الذي يحتم علينا أن نبني هذه الأرض ونصنع وجدانها وقيمها.
هذه هي المغامرة التي قدم محمد بديوي حياته قربانا لها، مغامرة العيش في بغداد لاكتشاف سرها، ولم يدر بخلده أن ينافس احد المسؤولين على منافعه وسرقاته، ولم يطمح في الانتماء إلى أحزاب الطوائف، فلم يؤمن حتى لحظة الرصاصة الأخيرة التي اخترقت رأسه سوى بشيء واحد اسمه العراق.
انظروا حولكم وتساءلوا: من الحي ومن الميت؟ محمد بديوي أم قاتليه، سواء الضابط الذي ضغط على الزناد ، او فرسان الطائفية ممن وجدوا في مقتله فرصة للتكسب الانتخابي، حين اصروا امس على ارتداء معطف وقبعة "البطل القومي"، ليملأوا الاجواء صراخا عن المؤامرة التي تحاك على السيادة الوطنية ، هؤلاء في تقديري هم آخر من يتحدث عن الوطنية ومصلحة البلاد، فهم المسؤولون عن إدخال العراق إلى كل بيوت الطاعة التي توزعت في معظم دول الجوار.
حفلة القتل المجاني التي حدثت امس ومعها "سيرك" الشحن الطائفي تفسر حالة الجنون التي تعيشها البلاد، فقبل اشهر معدودات خاضت قواتنا الامنية معركتها "المظفرة" ضد مدرب نادي كربلاء.. وبالامس ايضا صالت وجالت ضد متظاهرين عزل ، فيما الوقائع تؤكد كل يوم ان هذه القوات عاجزة عن حماية العراقيين الذين يذبحون من الوريد إلى الوريد، وسط غفلة امنية وصمت حكومي مخجل..
ستنتهي السطور التي كتبت في حب صديقي محمد بديوي ، لكن سيبقى سؤال واحد: من يصر على قتل العراقيين بدم بارد؟
أعتقد أن العراق كله يجب أن يبحث عن الإجابة الصحيحة.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

جميع التعليقات 7

  1. وحشي

    الله يرحم الفقيد محمد بديوي والقصاص العادل لك من استخف ويستخف بدماء الابرياء من عامة الشعب ولكن كنت اتمنى حضور السيدالمالكي بهذا الشكل المنفعل والدم الفاير وقوله انا ولي دمه كنت اتمنى لو انه بنفس الانفعال اندفع لاخذ حق المغدور مدرب كربلاء الرياضي من قوات

  2. أبو سعد

    متى كان للعراقي قيمه قبل ان يقتل بدم بارد؟

  3. ابو اثير

    أستاذي الكريم .. لا يحتاج الى ما يدور في الوطن الى أجابات .. بأختصار وبتكرار ممل أن هناك جماعة جاءت من الخارج ومع المحتل حاقدة على كل من كان داخل العراق يعيش وأخذت زمام ألأمور الذي فوضها لها المحتل وأخذت تنتقم وتقتل وتسرق وتعدم بالقانون وتضحك على الشعب ال

  4. ياسين عبد الحافظ

    سؤالك وجيه والاجابة لاتتطلب الحكمة والذكاء والشجاعة معا, انما تتطلب القلب الكبير النابض بالحب والايمان بقدسية الحياة وكرامة الانسان,من ناحيتى لم اكن ميالا قبل 2003ان اتداول امور من هذا القبيل فقد كانت الحروب شاغلنا,الان تبدو الامور كمن يريدها ان تاخذ مدا

  5. ياسين عبد الحافظ

    سؤالك وجيه والاجابة لاتتطلب الحكمة والذكاء والشجاعة معا, انما تتطلب القلب الكبير النابض بالحب والايمان بقدسية الحياة وكرامة الانسان,من ناحيتى لم اكن ميالا قبل 2003ان اتداول امور من هذا القبيل فقد كانت الحروب شاغلنا,الان تبدو الامور كمن يريدها ان تاخذ مدا

  6. سامي

    لا ابرر ابدا للقتل ، رحم الله الدكتور البديوي ، ولكن يجب ان لا تستغل هذه القضية من قبل البعض للدعاية الانتخابية ،لقد راينا بالامس ( السيد الرئيس القائد المناضل نوري المالكي الله يحفظه ) في الجادرية و هو يهدد و يقول الدم بالدم ... لا اعلم هل هو رئيس وزراء

  7. ,وحشي

    عزيزي ابو اثير الوردة الجيش المصري وقف على الحياد اثناء ثورة الشعب المصري ضد مبارك وتدخل لصالح الشعب اثناء حكم الاخوان هذا هو الجيش الوطني المصري ذو الماهية والراتب البسيط اما الجيش العراقي فانه جيش الراتب الذي بدونه لن يعيش فليذهب الشعب العراقي الى قير ل

ملحق منارات

الأكثر قراءة

الأحوال الشخصية.. 100 عام إلى الوراء

العمودالثامن: يا طرطرا.."!

العمودالثامن: نواب يسخرون من الشعب

متى تتكلم الأغلبية الصامتة؟ وماذا بعد قانون الأحوال الشخصية؟

مأساة علاقات بغداد وأربيل..استعصاء التجانس واستحالة التفارق

العمودالثامن: شجاعة نائبات

 علي حسين إذا كنت مثلي مجبراً رغم أنفك، على سماع أخبار هذه البلاد العجيبة، فإن هناك جيشاً قوامه العشرات من المدونين ، يشن حملة ضد محامية ذنبها الوحيد أنها دافعت عن قانون الأحوال...
علي حسين

قناطر: الشعر هو ما يجعلنا نحلم

 طالب عبد العزيز قليلاً ما أكتب الشعر في الصيف، بل هو لا يأتيني فيه، فأنا أكره الحرَّ والشمس اللاهبة، ذلك لأنني رجل شتوي بامتياز، أحبُّ البرد والرياح القارصة والمطر والثلوج، ولا أجمل من...
طالب عبد العزيز

فلسفة الحكم في العراق

محمد حميد رشيد الحكم في العراق مبني على شعارات مجردة وفرضيات مبهمة وعواطف ملتهبة وعلى قواعد عامة لا تكفي أن تكون نظام لتسيير مؤسسة صغيرة وليست دولة كبيرة. وهناك من يقول ان الدستور هو...
محمد حميد رشيد

العراق: أحوال شخصية ام تكريس لظاهرة السلطة الموازية؟

حارث حسن واجهت معظم الدول الإسلامية الحديثة إشكالية التناقض بين مبادئ وأحكام الفقه الإسلامي (الذي يستخدم خطأً باعتباره مطابق للشريعة)، وبين المبادئ التي تقوم عليها الدولة الحديثة. يتعلق الأمر بمسألة شرعية هذه الدولة، والتي...
حارث حسن
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram