في يوم من الأيام ، قرر جميع الأهالي في احدى القرى ان يصلوا صلاة الاستسقاء ..تجمعوا للصلاة ..لكن احدهم كان يحمل معه مظلة ! ..تلك هي الثقة ...المفردة الجميلة التي افتقدناها منذ زمن ..منذ ان كان أبناؤنا يرتدون الملابس الكاكية ويعودون ملفوفين بالعلم العراقي وحتى صاروا يخرجون الى أماكن دراستهم او عملهم فلايعودون الى منازلهم ..
علمتنا سنوات الحرمان والقتل والفوضى ألا نثق بحكوماتنا فهي تحول بكلماتها الرنانة هزائمنا الى انتصارات ودمارنا الى عمران وفوضانا الى نظام ..لقد اعتدنا ان نقرن بكل شيء نريده عبارة ( الله كريم ) لأننا غير واثقين ابدا من قدرة البشر على تقديم أي شيء لنا ولأننا لم نعتد الكرم من البشر فزعماؤنا كرماء في سفح دماء أبنائنا فقط ....
بمن يمكننا ان نثق وبأي شيء ..بنواب يتحدثون عن النزاهة والعدل ويسرقوننا في وضح النهار ام بنواب يتحدثون عن الشرف والتدين وتملأ رائحة فضائحهم النتنة أجواءنا فتسممها ..هل نثق بمن ينثر الورود في طريقنا ويرسم لنا مستقبلا ملونا وزاهيا ثم نكتشف ظلوعه في صفقات مشبوهة أم بمن يعدنا ببناء العراق وإعماره ونكتشف انه انما يبني لنفسه وعائلته ويعمر لهم عقارات وأرصدة في الخارج ؟..لقد فقدنا الثقة في كل شخص وكل شيء فمن يستحق ثقتنا لايحتاج الى التجول في المدارس والدوائر ليوزع هدايا ماقبل الانتخاب ، او يستخدم السيارات الحكومية الواقعة تحت سلطته لتوزيع هباته على المواطنين..انها اللعبة المكشوفة والمعروفة التي تخلق لنا رجال سياسة من الطراز الاول في أساليب خداع المواطن والافتراء عليه ولايكون أمامنا إلا ان نرضخ لسلطتهم لكننا نظل عاجزين عن الوثوق بهم ..
هل نثق بانتخابات اشبعها الساسة كذبا وتزويرا حتى غدت بالنسبة للعراقيين أشبه بإسقاط فرض ومحاولة لاتحمل بصيص امل في ادعاء وجود ديمقراطية في العراق ام نثق بسياسيين يحولون كل حادثة الى أزمة وكل أزمة الى كارثة جديدة تختطف أرواحاً بريئة اكثر وتضاعف من جرعة التسيد والدكتاتورية والطائفية وأخيرا وليس آخرا التفرقة بين القوميات ..
جميعنا يحلم بان يجرب إحساس الطفل الرضيع عندما نقذفه الى الأعلى فيضحك ..لأنه يعرف أننا سنلتقطه ولن ندعه يقع..من سيلتقطنا نحن من مزالق الخطر ومن مخاوف المستقبل ..بمن يمكننا الوثوق ونحن محاطون بمن يبني حولنا الأسوار تلو الأسوار ليعزلنا عن بعضنا البعض ويفاجئنا يوميا باجتثاث كل من يعترض سياسته او تحجيمه ..
لقد سحبنا الثقة منذ زمن من كل من يعتبرالوطن ملكاً له ويسير على جماجم شهدائه ليبني مجده الشخصي ..لم تعد تنطلي علينا الخدع الانتخابية ولا الخطابات الملوثة بالدم..واليوم ...نريد فقط ان نخلد الى النوم وفي رؤوسنا خطط لليوم التالي رغم أننا لسنا متأكدين من بقائنا أحياء ..نريد ان نتسلح بالأمل لنستعيد ثقتنا بأي شيء واي شخص..وان فقدنا القدرة حتى على النوم والتخطيط للغد فلابد ان نسحب الثقة من انفسنا ونلحق بركب الموتى ...فبيننا الكثير من الموتى ..يتحركون ..يتحدثون ..يأكلون ..يشربون..يضحكون ..لكنهم موتى ...يمارسون الحياة بلا حياة ..فهل سنصبح مثلهم ؟
سحب ثقة...
[post-views]
نشر في: 24 مارس, 2014: 09:01 م