TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > في تشابه الفاشية وعدواها

في تشابه الفاشية وعدواها

نشر في: 25 مارس, 2014: 09:01 م

آلاف العوائل من الفلاحين شُحنوا من المناطق الفقيرة للإقليم الإيطالي بينيتو عام 1928 باتجاه منطقة لاتينا الخالية من السكان والموبوءة بالملاريا، للعمل على حفر قناة موسوليني. الهدف النهائي للقناة هو تجفيف منطقة الأهوار تلك الممتدة بين جنوب روما وشمال نابولي، وتوطين العائلات الفقيرة تلك هناك. إحدى تلك العائلات الفقيرة هذه، أو "الغيسبانديير" (كلمة مرادفة للصوص) كما أطلق عليهم سكان المناطق المتاخمة للأهوار، هي عائلة بيروزي: العم بيريكله، واحد من ثلاثة عشر إخوة وأخوات، و"أسد القبيلة"، العمة الفخورة أميدا، والصهر المغرور أديلجي، الجدان الريفيان الأصيلان وأحفادهما، موحدون جميعاً بالكفاح ضد الفقر والبعوض وضنك الحياة. وهي الصدفة لا غير، التي قادت الجد للارتباط بالاشتراكيين في شبابه، بسبب اعتقاله عام 1904 مع الاشتراكي آنذاك روسوني الذي سيصبح رقم 2 بعد الاشتراكي أولاً ثم الفاشي لاحقاً الدوتشة بينيتو موسوليني، لأن الجد - سيظل يتندر بتلك الواقعة -، لبى نداء روسوني وهبّ لمساعدته لتخليصه من الشرطة، رغم إنه كان قد مرّ صدفة بعربته المحملة بالنبيذ بالقرية الصغيرة كابارو لكن رؤيته للشاب والطالب هذا أدموندو روسوني الذي يعرفه من قرية فورمينيانا التي بيوتها لا تتعدى عدد أصابع اليد، لكنها قرية حميّه (والد ووالدة زوجته)، وهو يلقي خطاباً ثورياً في الحشد الذي تجمع في ساحة المدينة جعلته يتوقف هناك حتى لحظة هجوم الشرطة. ومثلما قادت الصدفة الجد إلى تقاسم الزنزانة مع روسوني، فهي الحاجة لقضاء الوقت، كما يسميها الراوي، التي قادت العم بريكله للانتماء لحركة "شعب إيطاليا" الفاشية التي قادها روسوني لاحقاً في ميلانو، لأنه قبل كل شيء جندي فقير في ميلانو، "إلى أين كان عليه أن يذهب؟"، فبالتالي كان على الجنود أن يعيشوا مع بعض، دائماً، "ومرة يذهبون للسينما، مرة أخرى للمبغى"، ورغم الحسم الذي يحصلون عليه عند البغايا، كان الراتب ينتهي سريعاً، إذن إلى أين يولون وجوههم؟ "ذهبوا إلى الفاشية" (ص68). صحيح أن الأمر لا يخلو من الكوميديا السوداء، البورليسك، والكوميديا الإيطالية على دراية بذلك، إلا أن قدر عائلة بيروسي، كما يرويها أحد الأحفاد، تحركت دائماً في المنطقة الفاصلة تلك بين الكوميديا والتراجيديا، مثلها مثل كل تلك العائلات الشبيهة التي تُسلم نفسها للقدر، كأن غريزة البقاء على الحياة بأقل خسارة ممكنة هي التي تقودها، دون أن تدري أن النهاية التي تنتهي إليها مشابهة لنهايات التراجيدة الإغريقية، ذلك ما نعرفه من قصص عائلات في إيطاليا وفي أماكن أخرى من العالم، رغم أن العائلة هذه بكل ما عاشته أو سعت إليه، حاولت الإبقاء على كفة الميزان متوازنة، على الأقل – وهذا ما ظنته – إنها لن تسعى لامتلاك السلطة. السباحة مع التيار نعم، لكن السلطة؟ لا، "هكذا هو الأمر منذ بداية العالم، السلطة في النهاية هي غير نظيفة" (ص100)، كما تقول الجدة، وتنسى أن التعاون أو الدفاع عن السلطة هو الأمر ذاته، غير نظيف، لأن الناس وهي تتقلب تفكر بنفسها وحسب، لا يهمها ما يحدث خارج أنانيتها، كما حدث في إيطاليا (وفي أماكن أخرى لا يختلف الأمر)، عندما كانت الأغلبية فاشية حتى 25 يوليو/تموز، 1943 يوم نهاية الفاشية، وفي اليوم الثاني تحولوا إلى مضادين للفاشية، أو كما في عام 1989 و1994 أولاً الأغلبية ،إما شيوعيون أو ديموقراطيون مسيحيون، لكن بعدها كلهم بيرليسكونيون، أو أنصار لرابطة الشمال، "الرياح تنقلب يا صديقي، وإذا انقلبت يعني هذا إنها العاصفة" (ص98)، هكذا هي عائلة بيروسي، أولاً كانوا اشتراكيين، لكنهم ما أن يروا صعود الدوتشة حتى يتحولوا إلى أتباع مخلصين له، لأن العائلة المُستغلة من الإقطاعي غراف زورسي فيلا، كانت على يقين أن الفاشية وحدها التي تفتح أمامها أفاقاً جديدة.
 يتبع

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

أرنولد: فخور باللاعبين وكأس العرب بطولة رائعة

المنتخب العراقي يودع بطولة كأس العرب من الدور ربع النهائي

الأنواء الجوية تحذر من ضباب كثيف غداً السبت قد يسبب انعدام الرؤية

وزير خارجية لبنان: تحذيرات عربية ودولية من عملية إسرائيلية واسعة

(المدى) تنشر تشكيلة العراق أمام الأردن في كأس العرب

ملحق معرض العراق الدولي للكتاب

الأكثر قراءة

العمود الثامن: سياسيو الغرف المغلقة

العمود الثامن: مطاردة "حرية التعبير"!!

السردية النيوليبرالية للحكم في العراق

العمود الثامن: ماذا يريدون؟

العمود الثامن: عاد نجم الجبوري .. استبعد نجم الجبوري !!

العمود الثامن: ماذا يريدون؟

 علي حسين دائما ما يطرح على جنابي الضعيف سؤال : هل هو مع النظام السياسي الجديد، أم جنابك تحن الى الماضي ؟ ودائما ما اجد نفسي اردد : أنا مع العراقيين بجميع اطيافهم...
علي حسين

كلاكيت: مهرجان البحر الاحمر فسيفساء تتجاور فيها التجارب

 علاء المفرجي في دورته الخامسة، يتخذ مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي شعار «في حب السينما» منهجًا له، في سعيه لإبراز هذا الشغف الكبير والقيمة العليا التي تعكسها كل تفصيلة وكل خطوة من خطواته...
علاء المفرجي

لمناسبة يومها العالمي.. اللغة العربية.. جمال وبلاغة وبيان

د. قاسم حسين صالح مفارقة تنفرد بها الأمة العربية، هي ان الأدب العربي بدأ بالشعر أولا ثم النثر، وبه اختلفت عن الأمم التي عاصرتها: اليونانية، الفارسية، الرومانية، الهندية، والصينية.. ما يعني ان الشعر كان...
د.قاسم حسين صالح

لماذا نحتاج الى معارض الكتاب في زمن الذكاء الاصطناعي؟

جورج منصور في عالمٍ يتسارع فيه كلُّ شيء، ويكاد الإنسان أن ينسى نفسه تحت وطأة الضجيج الرقمي والركض اليومي، يظلُّ (معرض العراق الدولي للكتاب)، بنسخته السادسة، واحداً من آخر القلاع التي تذكّرنا بأن المعرفة...
جورج منصور
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram