ماذا بعد أن ضم الرئيس الروسي منطقة القرم إلى إمبراطوريته، فيما ساد عالم الغرب صمت القبور، عدا حشرجات إعلامية لا تنفع إن لم تكن ضارة. عملياً يتعاطى الغرب مع الحدث، باعتباره أمراً واقعاً لا مناص من قبوله والاعتراف به، وهكذا تفعل أوكرانيا برغم علو صوتها، ومشاهد التصعيد العسكري المتمثلة باستدعاء بعض الاحتياط، وتسليح المدنيين في المناطق الجنوبية والشرقية، على أن ذلك لا يعني غير اندلاع حرب العقوبات والعقوبات المضادة، المرشحة لمزيد من التصعيد في الفترة المقبلة، على أمل يتمسك به الغرب كله ومعه كييف، بمنع روسيا من ابتلاع كافة أرجاء أوكرانيا، أو على الأقل بعض مناطقها القريبة من حدود روسيا الاتحادية، ودائما بمبررات جاهزة ومعلبة تتحدث عن المصالح الروسية، وحماية الأقليات الروس في بعض المناطق، وبما يفهم في العواصم الغربية بأنه محاولة لإعادة بناء اتحاد سوفييتي جديد، وبما يتيح لقوى أخرى كالصين اللجوء للتبريرات نفسها في التعاطي مع مشكلة تايوان والجزر المتنازع عليها مع اليابان.
من النتائج المباشرة للأزمة الأوكرانية، اكتشاف عجز الغرب عن مد يد عون حقيقية لحلفائه في كييف وسواها، وإدراك سيد الكرملين عدم قدرته على تكرار ما فعله مع القرم في مناطق أخرى، دون توقع دفع أثمان باهظة، كما كشفت عن خطوط حمراء، باتت تزين خرائط العلاقات بين المعسكرين الغربي والروسي، هل قلنا المعسكرين؟ نعم لأن السلاح كان عند بوتين حاسماً، والعسكر هم من تصدر المشهد، أقلّه خلف قيصر روسيا الجديد، ما يعني أننا أمام قرار غير مكتوب ولا معلن، تكتفي فيه روسيا بقضم القرم، دون الدخول في مغامرة جديدة، في حين تتعهد عواصم الغرب بضمان المصالح الروسية، بما فيها أمن وسلامة الناطقين بالروسية في بقية المناطق الأوكرانية، وتلك التي كانت من مكونات الاتحاد السوفيتي، والسماح باستمرار السعي لضم كييف إلى الاتحاد الأوروبي، وهو أمل الكثير من الأوكرانيين، وهدف قيادتهم الجديدة.
يثير عجز الغرب أمام المسألة الأوكرانية شكوكاً حقيقية، حول جدوى العقوبات الاقتصادية والتجارية وغيرها، أو مقدرتها على دفع بوتين إلى تغيير حساباته، ذلك أن عقوبات مثلها أو أكثر منها، لم تعط أي نتيجة حين فرضت على إيران وسوريا، وقبلهما كوريا الشمالية وكوبا، إضافة إلى أن موقف المجتمع الدولي يبدو منقسماً ،حتى بين دول الاتحاد الأوروبي، ولأسباب اقتصادية في معظمها، إضافة إلى أن النظرة المجردة إلى استفتاء أهل القرم، تمنع المؤمنين بالديمقراطية والمدافعين عنها، من الوقوف ضد إرادة سكان شبه الجزيرة، المؤكد أنهم يرغبون بالعودة إلى وطنهم الأم، واعتبار أن حوالي خمسين ألف متظاهر احتشدوا في كييف، ممثلين لإرادة الشعب الأوكراني.
يواصل بوتين مناوراته رغم أن العالم يستشيط غضباً بسبب ضم القرم، وهو اليوم يُسرّب أخباراً عن نيته إنشاء قواعد عسكرية، وإبرام صفقات أسلحة كبرى مع دول أميركا اللاتينية، رداً على الانتشار العسكري، الذي تقوم به واشنطن، ومعها قوات حلف الناتو على مقربة من حدود بلاده، ما يعني في آخر الأمر الحاجة إلى بلورة توافق دولي جديد، للخروج من واقع عدم الثقة المتوتر، وعدم السماح لسياسات الثأر بأن تأخذ دورها في بؤر الأزمات المشتعلة، سواء كان ذلك بالاشتباك المباشر أو الحروب بالوكالة.
ضم القرم.. وماذا بعد؟
[post-views]
نشر في: 25 مارس, 2014: 09:01 م