TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > السيرة في السينما..رجـــل.. الأمــــل

السيرة في السينما..رجـــل.. الأمــــل

نشر في: 26 مارس, 2014: 09:01 م

-8-
في فيلم (فاليسا.. رجل الأمل) نوع آخر من أفلام السيرة التي تعتمد الانتقائية في تناول السيرة الشخصية ، فكما في فيلم (خطاب الملك) يتم اختيار جانب من هذه السيرة ، يتعلق بحادثة معينة بنى عليها السيناريو تفاصيل مشوقة أخرى ،لكن في فيلم (فاليسا.. رجل الأمل) وهو عن سيرة مؤسس حركة التضامن البولندية ليخ فالسيا الذي دق المسمار الأول في نعش الأنظمة الشيوعية عندما قاد الاحتجاجات العمالية غدانسك،  تقتطع من سيرة الرجل السنوات التي أعقبت انتصار الديمقراطية في هذا البلد.
إذن الفيلم والسيناريو اعتمد الجانب الأكثر ديناميكية في حياة فاليسا وهو قصة حضوره القيادي والطاغي في الاحتجاجات التي عمت بولندا في ما بعد وقيادته لها ثم اعتلائه منابر الخطابات المحرضة ، وتعرضه للمضايقات والاعتقالات المستمرة ، كما يرصد المعاناة الشخصية والسياسية التي واجهها في قيادة الاحتجاجات ، ثم حصوله على جائزة نوبل للسلام.  وهو هنا يغطي السنوات ما بين تظاهرات  العمال في الشوارع في عام 1970 وخطاب فاليسا في الكونغرس الأمريكي في عام 1989 ،فيما يهمل الفيلم الحديث السنوات التي أعقبت عام 1990، ومنها الحدث الأهم في اعتلائه منصب الرجل الأول في الدولة عندما انتخب رئيسا لبولندا .
تصدى لإخراج هذا الفيلم المخرج البولندي المخضرم أندريه فايدا ، الذي قال خلال استعداده لتصوير هذا الفيلم : "إنني لا أرغب في ذلك، لكنني مضطر"، مكررا بذلك المقولة الشهيرة التي كان فاليسا قد استخدمها عندما أعلن ترشحه للرئاسة للمرة الأولى.
ولأن صاحب "الأرض الموعودة"، و"الرجل الحديدي"، وفيلم "كاتين" يدرك الصعوبة التي تكتنف تناول مثل هذه الشخصية ، بسبب الإشكالية السياسية والاجتماعية التي رافقت صعودها المدوي ، والالتباس الواضح في تركيبتها التي أفضت في ما بعد إلى فشلها في تكملة مشوارها السياسي الذي بدأته وسرعان ما انسحبت من الأضواء . حماسة هذا المخرج الكبير لإنجاز هذا الفيلم بوصفه كان احد المعارضين للنظام الشمولي في بولندا دفعه لتقديمه بالطريقة التي شاهدناها ، بل إن هذا الفيلم هو استكمال لموقف فايدا من هذا النظام الذي تجلى واضحا في فيلمه (الرجل الحديدي) الذي انتزع سعفة كان الذهبية عام 1981 في أوج حركة الاحتجاجات في بلده.
وعلى الرغم من هذا الانحياز لشخصية وفعل فاليسا وللحدث التاريخي برمته، إلا ان ذلك لم يدفع المخرج أندريه فايدا إلى التعاطي مع هذه الشخصية بوصفها أسطورة خارقة، بل إلى التركيز على ما يتعلق بالإنسان  فيه ، ووضح ذلك من خلال اعتبارين أساسيين ، تمثل الأول في اختيار الجانب البطولي لهذه الشخصية وهي السنوات التي شهدت كفاحه مع رفاقه العمال ومساهمته في تأسيس نقابة التضامن ، وهو الجانب الذي تبرز فيه شخصية فاليسا الإنسان محاطا بعائلته ورفاقه العمال والتفاصيل التي تخط حياته ، عامل كهرباء تحصيل علمي محدود ، وشخصية مغمورة ليس لها حضور اجتماعي فيما الاعتبار الثاني يكمن في عدم الخوض بسيرته كسياسي انغمس في السياسة حد الفشل خاصة مع التخبط الذي عاشه رئيسا للبلاد. وقد برع الممثل روبرت فينتسكيفتش في ان يكون أمينا في تجسيده لهذه الشخصية بالحركة وطريقة الكلام وأيضا إبراز الجانب الساخر فيها.
اعتمد فايدا في استعراض هذه السيرة الحوار الصحفي الذي أجرته الصحفية الإيطالية الشهيرة أوريانا فيلاتشي مع فاليسا وهي التي تحتفظ في سجلها المهني بحوارات مع اهم زعماء العالم، وبالتداخل مع هذا الحوار نقف عند أبرز المحطات في سيرة هذا الرجل ، وهو أيضا الحوار الذي تتجلى فيه طبيعة شخصيته وقصوره الثقافي ،ولكنّ فطنته وذكاءه الذي جعله يقود الآلاف من العمال في مسيرة الانعتاق التي عاشتها بولندا. وقد استخدم المخرج العديد من الأفلام الوثائقية التي أرّخت لهذا ، وتجلت هنا عبقرية هذا المخرج في المزج بين ما هو حقيقي وما هو مصطنع ،أعني الفيلم.
تعمد المخرج إن من باب الانحياز  أو من جانب تجنب الخوض في إشكاليات المرحلة اللاحقة لانتصار فاليسا وسقوط النظام الاشتراكي في بولندا، أن يستعرض سيرة هذا الرجل خاصة في أوج تألقه لحظة انتخابه رئيسا للبلاد ثم السلسلة المتلاحقة من الفشل في الاستمرار باللعبة السياسية.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق الدولي للكتاب

الأكثر قراءة

العمود الثامن: الغرابي ومجزرة جسر الزيتون

العمود الثامن: نون النسوة تعانق الكتاب

العمود الثامن: مسيرات ومليارات!!

ثقافة إعاقة الحرية والديمقراطية عربيا

"دبلوماسية المناخ" ومسؤوليات العراق الدولية

العمود الثامن: نصف قرن من التفوق

 علي حسين في مثل هذه الأيام، وبالتحديد في الثاني من كانون الاول عام 1971، أعلن الشيخ زايد عن انبثاق اتحاد الامارات العربية، وعندما جلس الرجل البالغ آنذاك خمسين عاماً على كرسي رئاسة الدولة،...
علي حسين

كلاكيت: في مديح مهند حيال في مديح شارع حيفا

 علاء المفرجي ليست موهبة العمل في السينما وتحديدا الإخراج، عبئا يحمله مهند حيال، علّه يجد طريقه للشهرة أو على الأقل للبروز في هذا العالم، بل هي صنيعة شغف، تسندها تجربة حياتية ومعرفية تتصاعد...
علاء المفرجي

البَصْرة.. لو التَّظاهرُ للماء والنَّخيل!

رشيد الخيّون تظاهر رجال دين بصريون، عمائم سود وبيض، ضد إقامة حفلات غنائيَّة بالبصرة، على أنها مدينة شبه مقدسة، شأنها شأن مدينتي النَّجف وكربلاء، فهي بالنسبة لهم تُعد مكاناً علوياً، لِما حدث فيها من...
رشيد الخيون

الانتخابات.. بين صراع النفوذ، وعودة السياسة القديمة

عصام الياسري الانتخابات البرلمانية في العراق (11 نوفمبر 2025) جرت في ظل بيئة أمنية نسبيا هادئة لكنها مشحونة سياسيا: قوائم السلطة التقليدية حافظت على نفوذها، وبرزت ادعاءات واسعة النطاق عن شراء أصوات وتلاعبات إدارية،...
عصام الياسري
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram