مرت قمة الكويت العربية كحدث عادي وعابر، ولم تحظ بأي اهتمام شعبي، لأن نتائجها معروفة سلفاً، ولأن المواطن العربي فقد الثقة بكل قياداته، ولم يعد ينتظر من أي منهم خيراً، حتى حين يكون وحيداً، فكيف حين يجتمعون والهدف واضح وبيّن، لا يتجاوز الاتفاق على البقاء في مواقع السلطة، ودراسة أفضل السبل لقمع مواطنيهم ومنعهم من التعبير عن طموحاتهم، قبل أن نتحدث عن ضرورة مشاركتهم في اختيار من يحكمهم.
تستحق القمة الخامسة والعشرون لقب قمة التباينات، إذ نادراً ما اتفق طرفان على قضية، باستثناء اتفاق الجميع على أن إنقاذ سوريا من الكارثة، يُشكّل ضرورة قصوى لهم، وحتى هذا الاتفاق الذي ظل بدون آلية للتنفيذ، حمل معه تفسيراته المتضادة، فالبعض يرى أن ذلك يتم بدعم الأسد، والبقية تؤكد أن تحقيق الهدف سيكون بانتصار معارضيه، كان التعبير واضحاً عن اختلاف الرؤى، بخلو المقعد السوري وغياب علم المعارضة عن أجواء القمة.
أقر المجتمعون بالحد الأدنى من الثقة بما يفعلون، باستفحال الخلافات العربية دون مقدرة على تحديد الأسباب الحقيقية لها، أو التعامل معها بشفافية، ووضع حلول ناجعة لها، واستأثر الإرهاب بحيز مهم من الاهتمام، كسرته مشيخة قطر في كلمة أميرها الجديد، كما أنها ارتكبت خطيئة قاتلة، حين خالفت الإجماع الشكلي على تجديد الدعم للقضية الفلسطينية، وإدانة الممارسات الإسرائيلية ضد الفلسطينيين وتوسيع الاستيطان، وركّزت كلمة أميرها على الأوضاع الإنسانية في غزة، في تكريس واضح للانقسام الفلسطيني، حاولت التستر عليه بتأكيد التزامها بتأسيس صندوق للقدس.
حصل التغيير في مصر على الدعم الخليجي، باستثناء الدوحة التي أيدت ضمنياً حراك الإخوان المسلمين هناك، مع أنه مصبوغ بالدم ولا يستهدف غير الخراب، ورئيس الوفد العراقي انتصر للنظام السوري ليؤكد انخراط العراق في "محور المقاومة والممانعة" الذي تقوده الجمهورية الإيرانية، ولكن فقط فيما يخص الشأن السوري، فانسحب من الجلسة حين اعتلى منصة الخطابة أحمد الجربا رئيس الائتلاف المعارض، ليطالب بالضغط على المجتمع الدولي لتسليح قوى المعارضة، وتسليم السفارات السورية في العواصم العربية إلى الائتلاف الوطني، وهما مطلبان غير قابلين للتنفيذ.
سيصدر "إعلان الكويت" دون مواقف حديّة تعبر عن الجديّة في معالجة الاختلالات، سيكون فضفاضاً وقابلاً لتفسيرات متباينة، إن لم نقل إنها متضادة، وسيتضمن كسابقاته من إعلانات القمم توجهات عامة، تتحدث ببرود عن تحسين الوضع العربي وتكريس التضامن، وتتعلق بالقضايا السياسية وفي مقدمتها قضية فلسطين والوضع في سورية، ودعم لبنان وليبيا واليمن والصومال، وليس صحيحاً الزعم بأنه سيكون ملامساً لهموم وشجون أبناء الأمة العربية، وسيضع خريطة طريق لمستقبل أفضل لها، ذلك أن تلك الهموم الشعبية بعيدة عن أذهان "القادة"، الذين كان ترهلهم الواضح مؤشراً لما سيصدر عنهم من قرارات.
مثل سابقاتها تمخضت قمة الكويت عن خيبة أمل المواطن العربي المقهور، الذي افترض أنها ستعمل ضمن إطار الإيجابيات، التي تجمع ولا تفرق، وهو كان يأمل بأن تكون اجتماع عمل، يُركّز على حفظ الحد الأدنى من الصلات والعلاقات، والبحث عن سبل للتعاون، مع الثقة المطلقة بعجزها كسابقاتها عن اجتراح المعجزات، في زمن القحط الذي يقرر فيه الخارج ما يخص أدق تفاصيل دواخلنا، حيث النتيجة المنطقية لهذا الواقع البائس والمؤلم، أن مستقبل الأمة التي "ضحكت من جهلها الأمم" يخطط خارج حدود جغرافيتها، ودون أي اعتبار لقمم قادتها.
كل قمة وأنتم بخير
[post-views]
نشر في: 26 مارس, 2014: 09:01 م