TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > بين نرجسية الفنان وفرديته العالية

بين نرجسية الفنان وفرديته العالية

نشر في: 28 مارس, 2014: 09:01 م

حكايات الفنانين لا تنتهي أبداً ، واهتمامهم بأنفسهم وعالمهم الشخصي يفوق في الغالب اهتمامهم بما حولهم ، لذا يراهم البعض يميلون إلى النرجسية أو الفردية العالية وهم يعكسون على سطوح أعمالهم ونتاجاتهم الفنية ، ذواتهم وميولهم وولعهم الغريب بأشياء تبدو متطرفة وغير مألوفة  أو حتى غير مرغوب بها . كل هذا لأن الفنان شخصية مركبة وصعبة وفريدة في أغلب الأحيان وتميل إلى الذاتية كثيراً . ألم يقطع فان غوخ أذنه في لحظة صعبة واحتدام غير مفهوم مع نفسه المضطربة ، وكذلك فعل صديقة غوغان حين ترك أضواء باريس ومتعها المدهشة وراءه وذهب إلى تاهيتي ، ليعيش حياة بدائية وهو يبحث عن ضوء الطبيعة وسمرة النساء هناك وزخرفة ملابسهن الملونة ، التي تكاد تكشف أكثر مما تغطي أجسادهن شبه العارية ؟ وهكذا فعل لوتريك حين واجه قصر ساقيه بالبحث عن المومسات وبنات الهوى وهو لا يتوقف عن احتساء الكحول . لكن وجهة الفنانين ليست مأساوية دائماً ، وتحمل أيضاً في جوانب كثيرة وجهاً مشرقاً ومحباً للحياة ، كما عاش الفنان كيس فان دونغن وسط حفلات باريس ونسائها الأرستقراطيات أو سلفادور دالي وهو يعلن شهرته وحبه للمال الذي تجاوز ربما حبه لغالا نفسها ، لكنه لم يتجاوز حبه لنفسه على أية حال ، هو الذي قال ذات يوم وهو بصدد تعريف العبقرية ( هناك ثلاثة أشياء يجب أن تتوفر في الشخص لتجعله عبقرياً ، وهي أن يكون الشخص إسبانياً ويحب امرأة اسمها غالا وأن يكون اسمه سلفادور دالي ) . مرت هذه الحكايات والتفاصيل في ذهني وفكّرت بخطواتي وأنا أعبر جسر السلاسل في مدينة بودابست ، تخيلت قدماي تسيران فوق خطوات النحات العظيم  يانوس مارشالكو حين كان يعبر نفس الجسر بسعادة غامرة وثقة كبيرة في النفس لا تخلو من الطرافة ، رفعت رأسي متأملاً الأسود الرائعة التي نحتها هذا الفنان من الحجر وأنا أستعيد حكايته . ففي سنة 1885 كلفت بلدية مدينة بودا وبلدية مدينة بيست – حين كانت بودابست مدينتين وليس مدينة واحدة - هذا الفنان بإنجاز تماثيل لأُربعة أُسود يوضع كل اثنين منها على جهة من جهتي الجسر . أنهى الفنان عمله بشكل مدهش ووضعت التماثيل في مكانها . كان فخوراً بهذه الأعمال بشكل لا يصدق ، وكان يردد بصوت عالٍ في كل مرة يعبر فيها الجسر ( هذه أعمال عظيمة ، لا يستطيع فنان آخر أن ينحت مثلها ) ، بعدها أخذ يردد باستمرار ( إذا وجد أحد ما ، نقصاً في التماثيل ، فسوف أرمي بنفسي في نهر الدانوب ) . في نفس الوقت كانت هناك مجموعة من الفنانين الذين لا يحبون طريقته المتعالية ، فأخذوا يتفحصون تماثيل الأسود كل يوم ومن كل جانب ، إلى أن اكتشفوا أنه قد نسي الألسنة ، فليس هناك أي أسد له لسان من هذه التماثيل !! ، فأخبروه بذلك وأشاعوا الخبر بين الناس ، فحضر فناننا إلى الجسر بسرعة تحيطه مجموعة من الأهالي والفنانين ، عندها لم يستطع أن ينكر ادعاءهم هذا ، فصعد على حافة الجسر ورمى نفسه في الدانوب ...... لكن لحسن الحظ ، فهو كان يعرف السباحة ! أما نحن ، فلندع فناننا النرجسي يانوس يجفف ملابسه المبللة بعد أن يعبر الدانوب إلى جهته الأخرى ، لنفكر أن الحياة نفسها - كما الفن – فيها أشياء وتفاصيل مدهشة وممتعة وجميلة ، هي حولنا على كل حال وقريبة منّا ، فلنحاول أن نكتشف مناطق الجمال فيها رغم مأساوية أيامنا والغبار الذي يغطي ساعاتنا.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

«الإطار» يطالب بانسحاب السوداني والمالكي.. وخطة قريبة لـ«دمج الحشد»

تراجع معدلات الانتحار في ذي قار بنسبة 27% خلال عام 2025

عراقيان يفوزان ضمن أفضل مئة فنان كاريكاتير في العالم

العمود الثامن: بلاد الشعارات وبلدان السعادة

بغداد تصغي للكريسمس… الفن مساحة مشتركة للفرح

ملحق منارات

الأكثر قراءة

العمود الثامن: يزن سميث وأعوانه

العمود الثامن: "علي بابا" يطالبنا بالتقشف !!

سافايا الأميركي مقابل ريان الإيراني

فـي حضـرة الـتـّكـريــم

العمود الثامن: موجات الجزائري المرتدة

العمود الثامن: بلاد الشعارات وبلدان السعادة

 علي حسين نحن بلاد نُحكم بالخطابات والشعارات، وبيانات الانسداد، يصدح المسؤول بصوته ليخفي فشله وعجزه عن إدارة شؤون الناس.. كل مسؤول يختار طبقة صوتية خاصة به، ليخفي معها سنوات من العجز عن مواجهة...
علي حسين

قناطر: شجاعةُ الحسين أم حكمةُ الحسن ؟

طالب عبد العزيز اختفى أنموذجُ الامام الحسن بن علي في السردية الاسلامية المعتدلة طويلاً، وقلّما أُسْتحضرَ أنموذجه المسالم؛ في الخطب الدينية، والمجالس الحسينية، بخاصة، ذات الطبيعة الثورية، ولم تدرس بنودُ الاتفاقية(صُلح الحسن) التي عقدها...
طالب عبد العزيز

العراق.. السلطة تصفي الحق العام في التعليم المدرسي

أحمد حسن المدرسة الحكومية في أي مجتمع تعد أحد أعمدة تكوين المواطنة وإثبات وجود الدولة نفسها، وتتجاوز في أهميتها الجيش ، لأنها الحاضنة التي يتكون فيها الفرد خارج روابط الدم، ويتعلم الانتماء إلى جماعة...
أحمد حسن

فيلسوف يُشَخِّص مصدر الخلل

ابراهيم البليهي نبَّه الفيلسوف البريطاني الشهير إدموند بيرك إلى أنه من السهل ضياع الحقيقة وسيطرة الفكرة المغلوطة بعاملين: العامل الأول إثارة الخوف لجعل الكل يستجيبون للجهالة فرارًا مما جرى التخويف منه واندفاعا في اتجاه...
ابراهيم البليهي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram