خلع بدلته العسكرية التي رافقته 45 عاماً، لكنه سيظل المشير عبد الفتاح السيسي، فمن يحمل هذه الرتبة لا يتقاعد ويظل محتفظا بكل امتيازاتها، وامتثالاً "لنداء جماهير واسعة من المصريِين أعلن ترشحه لرئاسة الجمهورية كجندي مكلف بخدمة الوطن في أي موقع يأمر به الشعب"، وبدون أي محاولة لكسب التعاطف وضع المشير مواطنيه أمام مجموعة من الحقائق الصادمة" مع وعود بالسعي لحلها، لكنه استثار عندهم الحس الوطني، برفضه اعتماد مصر الغنية بمواردها وشعبها، على الإعانات والمساعدات، والتي تتعرض اليوم لحرب شرسة من "الإرهاب الإخواني" الذي تعهد بالمضي بالاستمرار في مكافحته.
المشير يحظى بشعبية غير مسبوقة عند الجماهير، لإطاحته حكم الإخوان، حيث اكتشفت فيه تلك الجماهير، رغم هدوئه الدائم وهو دليل على الثقة بالنفس، شخصية الضابط الشجاع والعنيد الذي خاض مواجهة دامية مع "الإخوان"، رغم أنهم ظلوا لعقود طويلة الأكثر تنظيما في البلاد، ابتعد عن الخطب الرنانة، وخاطب شعبه باللهجة المحببة لديه، وذكّرهم دائماً بأن الجيش المصري ينفذ ما يأمر به الشعب، وأنه لم يتخلص من حكم المرشد إلا بعد تفويض شعبي جارف، يؤكد أن المصريين قادرون على التغيير إن أرادوا، وهو وإن كانت صوره تتجاور مع صور عبد الناصر في الشوارع والساحات، لا يريد استنساخ تجربة الزعيم الراحل ، وإنما يأمل ان يحقق العدالة الاجتماعية التي سعى اليها.
لم يكن بعيداً عن السياسة وهو يرتدي البدلة العسكرية، فقد وضع خطة استراتيجية، لتحرك محتمل لمواجهة توريث الحكم، تحسباً لترشح جمال مبارك للرئاسة، وهو المتصف بالحذر وحساب أي من حركاته بدقة، كان مسؤولاً عن الحوار مع القوى السياسية، في آخر أيام مبارك في الحكم، حيث التقى كل القيادات السياسية الموجودة على الساحة، بمنفيهم الإخوان، وهو يصل اليوم إلى نتيجة مفادها أن صناعة المستقبل عمل مشترك وعقد بين الحاكم وشعبه، الحاكم ملتزم بدوره أمام الشعب، وعلى الشعب التزامات العمل والجهد والصبر، لن ينجح الحاكم بمفرده.
لا يحمل السيسي المولود في حي شعبي في القاهرة لعائلة متدينة منحته هذه الصفة، وصفة سحرية لحل مشاكل مصر، ومع أن الجمهور ينظر إليه كمنقذ قادر على إنهاء الاضطراب السياسي، الذي يضرب مصر منذ ما يقرب من ثلاثة أعوام، فإن معارضيه يتخوفون من تحول المشير القادم من صفوف الجيش إلى زعيم مستبد، يبدد الآمال في الديمقراطية والإصلاح والعدالة الاجتماعية، وهي المطالب التي أطاحت مبارك، صحيح أن الرجل لم يقترح حلولاً منهجية لمعضلات الفقر والبطالة والطاقة، ولم يتمكن بعد من القضاء على أعمال العنف، والتفجيرات التي يقودها الإخوان، وتتخذ طابعاً أكثر خطورة في سيناء، ما يثير المخاوف من سقوط الهالة المحيطة به، في بلد تمكن شارعه المحتج من إسقاط رئيسين في ثلاث سنوات، لكن الصحيح أنه اعترف بعدم قدرته على تحقيق المعجزات.
لم يسع السيسي للسلطة التي سعت إليه، حين أن أغلق مرسي العياط أذنيه عن صوت الشارع الغاضب، بعد انتزاعه سلطات كاسحة، وسعيه لتمرير دستور يحول أم الدنيا إلى إمارة إسلاموية، مع فشل كل خطواته الاقتصادية، وتخبطه في إدارة الدولة، ولكل ذلك ابتهج المصريون الذين أنهكتهم الاضطرابات بخطواته الحاسمة ضد تنظيم المرشد، وهو لم يتخذ قراره بالترشح إلاّ متأخراّ، ولا تعني هذه الخطوة ضمان الفوز، فهناك منافسه حمدين الصباحي، وقد حصد ملايين الأصوات في الانتخابات السابقة، وربما يلجأ الإخوان لصب أصواتهم لصالحه انتقاماً من السيسي، مع أنهم لا يحملون له غير الضغينة والحقد والكراهية ما دام يعلن ناصريته، وهم يستذكرون علاقتهم السيئة بعبد الناصر.
وترشح السيسي..
[post-views]
نشر في: 28 مارس, 2014: 09:01 م