اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > زمن صالح الكويتي

زمن صالح الكويتي

نشر في: 28 مارس, 2014: 09:01 م

مر صالح الكويتي في رحلاته  الاغترابية الطويلة بمحطات كثيرة أولها الكويت التي ولد فيها لأب عراقي ، والبصرة التي زارها عازفا للعود ، وبغداد التي قرر الاستقرار فيها نهائيا منذ عام 1922  ثم اسرائيل التي نفي اليها مرغما عام 1951. في بغداد قرر ان لايجامل او يتملق وان لايخدع ، وعندما قرأ له صديقه الشاعر عبد الكريم العلاف قصيدة، قال  له ان هذه نغمات  اكثر منها كلمات  فقرر ان يلحنها فخرجت الى النور أولى اغنياته "وين رايح وين " بصوت مطربة جاءت من الشام اطلقت على نفسها اسم زكية جورج، هام بها شعراء بغداد، وكان اشهر عشاقها الشاعر كمال نصرت الذي كان يرسل اليها القصائد الطويلة والقصيرة.
أنتِ بالفــــــــــــن كبيرة        من سليمى من منيرة
أنتِ بالســن صغيرة            أنتِ بالفــــــن كبيـــــــرة
 ولم تحرك هذه القصائد ساكنا عند  مطربتنا لأنها لم تكن تعرف القراءة والكتابة، لكن زكية جورج وجدت في صالح الكويتي ضالتها ووجد  فيها هواه  فقرر ان يجعل منها اشهر مطربات بغداد تتسابق شركات اوديون وبيضفون على كسب رضاها، وتسحر شاعر الهند طاغور الذي ما ان راها حتى كتب كلمات  "يابلبل غني لجيرانك" التي تحولت بفضل عود صالح الكويتي الى واحدة من اشهر اغنيات ذلك الزمان ، ويفاجأ الكويتي ذات يوم برغبة زكية جورج  في السفر الى البصرة  ، فهناك جمهور كبير ينتظر اطلالتها  قالت له: " انه شهر واحد فقط وستعود " لكنها لم تف بالوعد وآثرت البقاء على العودة لتشعل نار الشوق والغيرة في قلبه، وتنفجر شحنة أشواقه ومشاعره بسيل من الأغنيات  التي لن ينساها أهالي  بغداد:
هذا مو إنصاف منك غيبتك هلكد تطول
وبعدها
الهجر موعادة غريبة... لا ولامنكم عجيبة
ولابأس في ان تغني هذه الأغاني غريمتها  سليمة مراد:
مليان كلبي حجي         المن اكولن واشتكي
ولم يكتف بذلك بل ارسل لها أغنيته الشهيرة " انا من اكولن اه واتذكر ايامي " لتصبح هذه الأغنية واحدة من اشهر أغنيات ذلك الزمن، ويغلبها الحنين فتعود الى بغداد لتجد في انتظارها العاشق الولهان ومعه كيس مليء بالأغاني  "ما ظل صبر، كلبي انجوه، ياحافر البير " وغيرها كثير.
وكان صالح الكويتي مثل احمد رامي الذي طار حبا بأم كلثوم:
سمعت غناءها فاذا بكائي            من الدنيا تردد في الغناء
واخشى ان يخامرني هواها        والقى في محبتها عزائي
 بالامس أعادني كتاب صالح الكويتي "نغم الزمن الجميل"، الى تلك الايام التي عاشت فيها بغداد ومدن العراق عصر الغناء والطرب، قبل ان يستفحل فيها مرض " الهمرتوفوبيا " وهو المرض الذي يصيب الظلاميين فيكرهون  كل شيء يتعلق بالموسيقى والغناء وماجاورهما، حتى وجدنا مجالس محافطات ترفع شعار "لا للغناء" ، ويخرج علينا ذات يوم رئيس لجنة الثقافة والاعلام البرلمانية علي الشلاه  ليقول: "من الظلم ان تصور مدينة الحلة كحاضنة للغناء". ففي عرف  أحزابنا السياسية، الموسيقى حرام لأنها تثير الغرائز، وسرقة المال العام حلال، لأنها تنعش النفوس والجيوب، والغناء رجس من عمل الشيطان، والقتل على الهوية أول بشائر الإصلاح ،  والفرح مهنة أصحاب الدنيا، ونحن نريد أن نؤسس لثقافة الآخرة، زينة المرأة غواية، وزواجها في سن التاسعة إنجاز يضاف الى سلسلة الإنجازات العظيمة التي تحققت خلال ولاية مختار العصر ، الضحك طريق إلى جهنم ، وخطب الجعفري طريقنا الى مستقبل زاهر !
في كتابها "الموسيقى في العراق" ، تقول الباحثة شهرزاد قاسم: " إن لدى العراقيين  منذ القدم ميلا إلى الموسيقى والغناء اللذين ازدهرا في كثير من الفترات، وأن أفلاطون كان يفضل الموسيقى الآتية من بلاد النهرين  على موسيقى بلاده، ويصفها بأنها خير نموذج للموسيقى الكاملة التي يجتمع فيها التعبير عن الحقيقة والفضيلة والجمال وحلاوة النغم ".
ظل صالح الكويتي مغرما بما يغني ، يعتقد ان اللحن والشعر سيصنعان بلداً يكون ملكاً للجميع، و مجتمعاً آمناً لا تقيد حركته خطب وشعارات زائفة، ولا يحرس استقراره ساسة يتربصون به كل ليلة، ديمقراطية، تنحاز للمواطن لا للطائفة، وتنحاز للبلاد لا للحزب والعشيرة.، عاش  أسير أحلامه، متنقلا في الألوان، من "ذوب وتفطر"  الى "عمي يباع الورد "، ومن " ياحافر البير  ،" الى،"يعنيد يايابا "، لينتهي غريبا  يئن على بلاد تنكر أبناءها لانهم لايمارسون الخديعة، ولا يحملون صور قادتها، ولا يهتفون في الساحات " بالروح بالدم ".

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

جميع التعليقات 5

  1. أبو سعد

    السيد رئيس لجنة الا ثقافه واعلام من اين له ان يعرف صالح الكويتي وزكيه جورج او مسعود العمارتلي وهو من اللذين كانوا يستمتعون باغاني (دلال شمالي)من قاسيون اطل ياوطني الى اخر الاغنيه.

  2. خليلو...

    منذ امد بعيد والعراق الة مرعبة للطرد المركزي لا تؤدي وظيفتها في ميدانها الحقيقي بل في ميدان فرعي بين الميدانين شبه غير منقطع هو الطرد من المركز باتجاه الطرف(الخارج) المطرود خير من المتخلف عن الطرد فالالة حين توظف في اللبانة تطرد الزبدة بعيدا ويبقى المخيض

  3. عساكم بخير

    لاعجب استاذي العزيز العراق ومنذ زمان بعيد وليس الان طارد لكل المبدعيين والعلماء واصحاب الفكر الواعي والملتزم والقادر على تغير حال المجتمع نحو الافضل فلا غرابة بعلي الشلاه وغيره من هولاء اللذين تسيدوا المشهد بغفلة من الزمن واخذوا يتمشدقون علينا يوميا واليو

  4. رمزي الحيدر

    كلام جميل في هذا الزمن السفيه

  5. Khalid

    صباح الخير .. صالح الكويتي عازف كمان وليس عازف عود ، اخوه داود هو من يعزف العود .. قدم بغداد سنة 1928 ... اولى اغانيه ذوب وتفطر

يحدث الآن

"الأبنية متدهورة".. سجون العراق تعاني اكتظاظاً يفوق 300% من الطاقة الاستيعابية

اجتماع هام لديكو لحسم صفقة جديدة لبرشلونة

العمليات المشتركة تكشف تفاصيل هجوم "الفصائل" على قاعدة عين الأسد

السجن 15 سنة بحق مدان أطلق النار على مفرزة أمنية

آفة تتفاقم.. الداخلية تعلن القبض على (31) متسولاً في بغداد

ملحق منارات

الأكثر قراءة

الأحوال الشخصية.. 100 عام إلى الوراء

العمودالثامن: يا طرطرا.."!

العمودالثامن: ماذا يريدون ؟

مقترح تعديل قانون الأحوال الشخصية العراقي.. في المنطق القانوني

العمودالثامن: نواب يسخرون من الشعب

العمودالثامن: درس تشرين ودرس بنغلاديش

 علي حسين ما هو الفارق بين ما جرى في تشرين عام 2019 في بغداد والمحافظات.. وما جرى في البلاد الفقيرة بنغلاديش خلال الأيام الماضية؟ في العراق جرى قتل أكثر من 700 شاب.. وجرح...
علي حسين

متى تتكلم الأغلبية الصامتة؟ وماذا بعد قانون الأحوال الشخصية؟

د.غادة العاملي يثار جدل واسع حول تعديل قانون الاحوال الشخصية وخطورة التداعيات الاجتماعية التي تسبب بها، ويبدو من السجالات والمناظرات والندوات التي ترافق النقاشات المرتبطة بقانون الاحوال الشخصية، ان حزمة قوانين اخرى تنتظر التمرير...
د.غادة العاملي

عشر أفكار حول تطييف قانون الأحوال الشخصية

علي المدن لا أحد يعلم على وجه الدقة انطباعات العراقيين حول مقترح تطييف قانون أحوالهم الشخصية، وأنا شخصيا لم أقرأ حتى الآن أي أستطلاع للرأي العام حول هذا الموضوع المعقد، وعليه؛ ستبقى مسألة مقاومتهم...
علي المدن

في مواكبة الـ (المدى)..

لاهاي عبد الحسين يوافق الاحتفال بالذكرى الحادية والعشرين لانطلاق "المدى" كمشروع ثقافي واعلامي وطني مسؤول مع الضجة التي أحدثها تقديم مشروع تعديل قانون الأحوال الشخصية المرقم 188 لسنة 1959 في مجلس النواب العراقي. هذا...
لاهاي عبد الحسين
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram