اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > تحقيقات > التسيب المدرسي...حكاية عـوز تدفع البعض للجنوح إلى عالم الجريمة

التسيب المدرسي...حكاية عـوز تدفع البعض للجنوح إلى عالم الجريمة

نشر في: 29 مارس, 2014: 09:01 م

في سيارة الأجرة أثناء ذهابي للعمل رنَّ هاتف السائق مستلماً رسالة على جواله ففتحها وفاجأني بإعطائي الموبايل طالبا مني أن أقرأ له الرسالة، ظننته في بادئ الأمر أنه يمزح معي لقضاء ساعات الزخم المروري الذي نعاني منه كل يوم، إلا أنه أصرَّ على أن أقرأها فتب

في سيارة الأجرة أثناء ذهابي للعمل رنَّ هاتف السائق مستلماً رسالة على جواله ففتحها وفاجأني بإعطائي الموبايل طالبا مني أن أقرأ له الرسالة، ظننته في بادئ الأمر أنه يمزح معي لقضاء ساعات الزخم المروري الذي نعاني منه كل يوم، إلا أنه أصرَّ على أن أقرأها فتبين لي فيما بعد انه لم يكمل الدراسة الابتدائية ، انتابني الفضول لسؤاله ... لماذا أنت هكذا؟ فأجابني مبتسماً... (الحالة صعبة والدراسة متوَكِل خبز)، استفزني الأمر مما جعلني أبحث في أسباب وعوامل ظاهرة التسيب عن الدراسة التي باتت تهدد ثقافة شبابنا وعلم أبنائنا، اكتشفت فيما بعد ان الحالة المادية ليست السبب الأساس لتفشي هذه الظاهرة
 فهناك العديد ممن يتسيبون عن الدوام من دون علم أولياء الأمور لقضاء ساعات طوال في صالة الالعاب، كل هذا يرجع لأسباب أهمها وهن الضوابط والشروط التي وضعتها وزارة التربية في معاملة الطلبة من قبل ادارة المدرسة، اضافة الى عوامل عــدة سنلخصها في تحقيق ميداني أجرته (المدى).
التعليم ما بين الماضي والحاضر
في الوقت الذي حقق فيه العراق تقدماً ملموساً في عقد السبعينات على مستوى استيعاب الأطفال,وحسب تقرير اليونسكو أمتلك العراق قبل حرب الخليج الأولى نظاماً تعليمياً من أفضل أنظمة التعليم في المنطقة قدِّرت نسبة المسجلين فيه بالتعليم الابتدائي ما يقارب 100% مقارنة بأعداد الأطفال في سن التعليم الابتدائي, وحسب تقرير المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم عام 1973 فإن معدل التسرب في التعليم الابتدائي قد هبط في العراق إلى ما يقارب 5% بين الصف الأول والخامس الابتدائي!
يقول حامد صاحب عربة وهو لم يكمل التعليم الابتدائي إن "الدراسة لم تعد كما كانت سابقا"،مستنداً في حديثه الى ان "أغلب أصحابه الحاليين يدفعون العربات هم من حملة الشهادات"!
ويضيف حامد البالغ من العمر (24)سنة ان "الدراسة تتطلب وقتاً طويلا وهذا لا يتناسب مع مَن حالته المادية ضعيفة" لافتا الى انه "لا يستطيع التوفيق بين ساعات العمل وساعات الدراسة وهذا هو سبب تركه المدرسة".
غياب فرص العمـل
المعلم حيدر محمد أشار لـ"المدى" أن هناك عوامل عــدة تؤدي الى التسيب وترك مقاعد الدراسة في وقتنا الحالي، منها  عدم قدرة الادارة المدرسية في السيطرة على الطلبة ، مؤكداً "عدم وجود اي دور رقابي مشترك او قنوات اتصال  بينها وبين عوائل  الطلبة".
وأوضح حيدر وهو استاذ في اللغة العربية، أن "للمناهج الدراسية واستاذ المادة الأثر الواضح في تراجع دور ومشاركات الطلبة"، مشيراً الى أن "أساليب الدراسة روتينية والاستاذ  قـد يكون غير قادر على ايصال الفكرة، وهذا ما يجعل الطالب يجزع  من الدرس بعد مرور اقل من ربع ساعة".
وتابع إن "عدم وجود أساليب الراحة والترفيه داخل المدرسة تجعل الطالب يشعر بالضجر من اوقات الدوام فيقوم بالهروب" لافتا الى أن "تدهور الوضع في البلاد وعدم وجود المستقبل الجيد للحريجين من حملة شهادات البكالوريوس، دفعتت أولياء الأمور لتحريض أبناءهم على ترك الدراسة والالتجاء إلى العمل".
نتاج التسيب المدرسي
تتعدى الآثار الكارثية للتسرب والرسوب إلى جميع نواحي المجتمع ،فهي تزيد من معدلات الأمية والجهل والبطالة وتضعف البنية الاقتصادية للمجتمع والفرد، وتفرز في المجتمع ظواهر خطيرة كعمالة الأطفال واستغلالهم، ناهيك عن  ظاهرة الزواج المبكر,كما يؤدي إلى زيادة حجم المشكلات الاجتماعية، كانحراف الأحداث وانتشار السرقات والاعتداء على ممتلكات الآخرين مما يؤدي إلى ضعف قيــم المجتمع وانتشار الفساد فيه خاصة وان المواطن البسيط يسمع يوميا من وسائل الإعلام حجم ملفات الفساد الذي ينخر في جسد الدولة وهذا ما شجع الشباب على الانحراف ،وما تسببه أيضا هذه المشكلة من آثار سلبية في نفسية التلميذ وتعطل مشاركته الفعالة والمنتجة في المجتمع!
الأسباب الحقيقية لتفشي الظاهرة
يوضح الباحث الاجتماعي رضا السعدي  لـ"المدى" أسباب تسيب الطلبة عن الدراسة ويعيها الى جوانب عــدة منها ،الجانب النفسي الناجم عن الوضع الأمني الذي يمر به البلد والخوف من المجهول الذي يلاحقهم و الاحباط عند رؤية حاملي الشهادات وهم يعملون سائقي أجرة أو يجرون عربات الحمل، فضلا عن الجانب الاقتصادي  الذي يشكل العبء الاكبر في ترك الطلبة مقاعد الدراسة واللجوء الى مصادر العيش ليخفضوا من هذه المعاناة، إذ أن أغلب الأُسر تعيش حالة العوز والفقر وهذا  ما يؤدي الى تغيّب الطلبة والذهاب للعمل لإعالة عوائلهم، بالاضافة الى الجانب الرقابي  الذي يشترك به كل من الأسرة التعليمية في المدرسة وأولياء الامور في توجيه الطلبة، وهذا الجانب يكاد يكون محسوراً ومحدوداً ، وهناك أمر مهم وهو الجانب الترفيهي الذي يُسهم بصورة رئيسة في التخفيف من معاناة الطلبة وإغرائهم  على ترك المقاعد الدراسية عن طريق وسائل الترفيه المختلفة .
وحذر السعدي من أن "كل هذه الاسباب إن لم تتجاوزها الدولة ستشكل أمراً خطيراً إذ ستزداد الجريمة والجنوح والبطالة"،لافتا الى ان هذا سيجعل البلد اكثر تخلفاً وأكثر أُمية وبالتالي سيتأخر الشعب عن اللحاق بالدول التي تقدمت وتطورت".

لجنة التربية النيابية : العامل الاقتصادي السبب الرئيس وراء الرسوب والتسرب
إن الإهدار التعليمي في هذا القطاع المتمثل في أبرز مشكلاته كالتسرب والرسوب, يُعـد من المشكلات المعرقلة لكفاءة النظام التربوي وتبديداً للجهود المبذولة لتطويره التي تعوق تحقيق أهدافه، وتسبب ضياع الجهد والوقت والمال, وينعكس أثره السلبي على الفرد والمجتمع وعلى التنمية الاجتماعية والاقتصادية,وقد أشارت إحصاءات التعليم في العراق إلى أن الإهدار التعليمي يستحوذ على أكثر من 25% من مجمل ما يُنفق سنويا عليه وهذه سابقة خطيرة على التعليم في البلد!
عضو لجنة التربية والتعليم النيابية رياض غالي مفتن أوضح أن "السبب الرئيس لتسرب الطلبة هو العامل الاقتصادي وما له من آثار سلبية أثقلت كاهل الطالب وهو في مقتبل عمره"، مبينا ان "سوء الحالة المادية التي تعيشها بعض العوائل أجبرت الطالب على العزوف عن التعليم والالتجاء الى العمل، مشيراً إلى ان "الحل هو تقديم المساعدات لهذه العوائل سواء كانت عن طريق المنح التي توزع على الطلبة او عن طريق قانون الرعاية الاجتماعية"،مستدركا في حديثه قائلا: انه برغم بساطة المبالغ التي قدمت لطلبة المدارس الابتدائية 30 ألفاً والمتوسطة 50 ألفاً إلا أنها تشكـِّل جانباً تحفيزياً للبعض  بالاستمرار في الدراسة.
المعلم هو الأب الثاني
وبخصوص التعليمات والتوصيات التي وجهت من وزارة التربية حول معاملة الادارة المدرسية للطالب يوضح غالي أن "اللجنة تقدم كل الدعم للملاكين التعليمي والتدريسي والوقوف جنباً الى جنب في معاملة الطالب تربوياً، بل وحتى في عملية الضرب الذي يكون غرضه توجيهياً وليس الضرب المبرح" لافتا الى ان "غرض الوزارة والملاكين التعليمي والتدريسي هو التربية ومن ثم التعليم ولا يقتصر ذلك على جزء من دون آخر".
ويضيف "المعلم هو الأب الثاني الذي له دور كبير في تنشئة هذا الجيل وعليه تقع المسؤولية الكاملة للحــد من هذه الظاهرة"،محذراً من التعامل القاسي مع الطلبة معتبراً أن ذلك سيشكل عائقاً يضاف الى العوائق الاخرى التي تؤدي إلى التسيب".
وبخصوص توفير الجانب الترفيهي، قال عضو لجنة التربية والتعليم النيابية إن "هناك أزمة حقيقية تواجه التعليم في البلاد وهي الأبنية المدرسية التي ورثناها من النظام السابق اضافة الى فشل النظام الحالي في ســد هذه الثغرة"، مشيرا الى ان "قطاع التعليم بحاجة الى 8000 مدرسة للتخلص من الاختناقات في الصف الواحد الذي تصل أعدادهم الى 60 طالباً تحت سقف واحد".
وأضاف قائلا: اذا تمكنا من توفير المدارس الكافية سنتمكن من توفير الجانب الترفيهي معها ما يساعد على تقليل أعداد الطلبة في الصف وبالتالي يتمكن الاستاذ من ايصال المعلومة الى الطلبة، مؤكداً "هذا ما سيجعل هناك حصصا ترفيهية متمثلة بالجانبين الرياضي والفنــي وما إلى ذلك".
إهمال أولياء الأمور
ويضيف خالد إن "عدم وجود دور رقابي من قبل أولياء الأمور وإجراءات إدارة المدرسة الروتينية في جعل الطالب يكتب تعهداً بعدم الهروب في كل مرة يقوم  بها بالتسرب شجعت الطالب على عدم الخوف من الإجراءات القسرية بحقه من قبل وزارة التربية"، موضحا أنه " يمكن لمناهج المادة وأسلوب التدريس ان تجعل الطالب يتعلق بالمادة او الاستاذ ويتخذه مثالا
لنجاحه".
ويلفت النظر الى ان "هناك أعداداً كبيرة في الصف الواحد تتجاوز الخمسين طالباً وهذا ما يؤدي الى عدم امكانية استاذ المادة  السيطرة على الطلبة فيقوم بطرد البعض منهم"،ماضياً في حديثه "إن الطالب بحاجة الى نقلة نوعية من كل جوانب الترفيه والراحة النفسية التي تمكنه وتجعل منه جاهزاً ليكون مجتهداً ومبدعاً في مجال الدراسة".
استنزاف للموارد المالية والبشرية
إن الحروب الكارثية التي أقدم عليها النظام السابق وما سببته من استنزاف للموارد المالية والبشرية قد ألحق أفدح الأضرار بقطاع التربية والتعليم,وبلغت خسائر هذا القطاع أكثر من 4 مليارات دولار شملت كل عناصر العملية التربوية ومستلزماتها ومؤسساتها ومراحلها المختلفة.. حيث تشير الدراسات التي وضعها علماء الاقتصاد الى أن الزيادة في الإنتاج لا تعود فقط لزيادة رأس المال واليــد العاملة, بل ترجع إلى عوامل التقدم التقني وما وراءه من إعداد وتدريب وتعليم للموارد
 البشرية.
وقد أسهمت الطفرة المالية المتحققة من العوائد النفطية في سبعينات القرن الماضي بالتوسيع في حجم الإنفاق على التعليم, وكذلك الدور الكبير والمتميز الذي لعبته الحركة الوطنية وفي مقدمتها قوى اليسار من حيث التعبئة لنشر التعليم والثقافة في صفوف أبناء المجتمع وتعزيز الدور التعبوي عبر نشاطها وصحافتها العلنية,وخاصة في ميدان محو الأمية, ونقل تجارب الشعوب العالمية وخلق المزاج العام المواتي لتنفيذ ذلك.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

لا ينبغي ان يحلق في سمائها غير طيور الحباري ..الإرهاب والمخدرات يهددان أمن الحدود العراقية السعودية
تحقيقات

لا ينبغي ان يحلق في سمائها غير طيور الحباري ..الإرهاب والمخدرات يهددان أمن الحدود العراقية السعودية

 اياد عطية الخالدي تمتد الحدود السعودية العراقية على مسافة 814 كم، غالبيتها مناطق صحراوية منبسطة، لكنها في الواقع مثلت، ولم تزل، مصدر قلق كبيراً للبلدين، فلطالما انعكس واقعها بشكل مباشر على الأمن والاستقرار...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram