المدن لا تكون مدناً إلا حينما تتمدد فكراً وثقافة وعلماً وحينما تتصالح مع الجوار وتبعث شعاعها عبر المسافات البعيدة لتصبح بؤرة إشعاع ونبع حضارة واسماً علماً عبر التاريخ.وأربيل واحدة من المدن التي ترسم مستقبلها بوعي لتكون حاضنة للجميع لا تكتفي بلغة واحد
المدن لا تكون مدناً إلا حينما تتمدد فكراً وثقافة وعلماً وحينما تتصالح مع الجوار وتبعث شعاعها عبر المسافات البعيدة لتصبح بؤرة إشعاع ونبع حضارة واسماً علماً عبر التاريخ.
وأربيل واحدة من المدن التي ترسم مستقبلها بوعي لتكون حاضنة للجميع لا تكتفي بلغة واحدة, بل تتحدث اللغات كلها ولا تلبس يومياً نفس الثوب إنما تغيره حسب المواسم وحسب متطلبات المناسبة لتبقى جميلة منفتحة متلاقحة ومتواصلة مع هواء العصر.
في 11/3/2014 ومع ذكرى الانتفاضة في ربيع 1991 ومع انتشار باقات النرجس في الشوارع افتتح المهرجان الدولي للفنون الشعبية بحضور نحو ثلاثة آلاف مواطن متلهف للاستمتاع بالنغم والغناء والموسيقى والرقص القادم من مصر والمغرب وجورجيا وأوكرانيا ورومانيا ومن تركيا ومدينة (عفرين) في كردستان سوريا ومن أربيل والسليمانية ودهوك وكركوك, والفرقة الوطنية للفنون الشعبية, والفرقة البصرية للفنون الشعبية, إضافة إلى المشاركة اللبنانية المتميزة حيث قدمت ميريام فارس حفلاً غنائياً وغنت حسنا مطر أغنيات كردية.
أربيل عاصمة السياحة العربية بدت وكأنها مجمع اللغات كلها والألوان كلها ،وهذا بالضبط ما يليق بالمدن التي تريد ان تترك بصمة على تضاريس الأرض.
إن الانكفاء والانطواء على عرق واحد ولغة واحدة ولون واحد والقضاء على التنوع السكاني واللغوي والتنكر للآخر ليس سوى بداية لانقراض المدن واندثار فاعليتها في المشاركة الإنسانية الفاعلة لصنع الثقافة.
كان المهرجان ناجحاً بكل القياسات وخالياً من الأخطاء التنظيمية والتقنية, فالأضواء والألوان والشاشات العملاقة الأربع والطائرات التي قدمت ألعابها في فضاء المهرجان, والضيافة الأنيقة كلها أضفت مسحة جمالية فائقة على المهرجان الذي تكلفت به شركات آسياسيل و(جيهان كروب) و(سردار كروب) وشركة (UB).
المساهمة في الفعل الثقافي من قبل هذه الشركات أمر جدير بالتقدير وهو معمول به في كل الدول المتقدمة, وكان يفترض ان نلجأ إليه أيضاً في مشروع بغداد عاصمة الثقافة العربية 2013.
المهرجان متنوع للغاية ،فهو إضافة إلى الاستعراضات واللوحات الراقصة يضم على مدى عشرة أيام المعارض التشكيلية والأمسيات الشعرية والمسرحيات وماراثون النساء وحفلات ساهرة لنخبة من المطربين والمطربات.
المهرجان باختصار دعوة للفرح والانشراح والتعارف والتواصل والاندماج والتمتع بالمخزون التراثي والتاريخي لمدينة عمرها خمسة آلاف سنة, وهذا ما يمنحها الحق لتتأهل كمدينة وعاصمة للسياحة.
إن السياحة في كل العالم جمال وأناقة وسفر واكتشاف وتعارف واستجمام وإثراء معرفي ومحاولة جدية من الإنسان منذ القدم لاكتشاف الأرض وأخيه الإنسان والتوسع في التلاقح والاستزادة من المعلومات التاريخية والآثارية والعمرانية ومراكمة بيادر المعرفة .
هذا هو أصل السياحة في الأرض وأي محاولة للتضييق عليها أو حصرها في السياحة الدينية أو أي نوع آخر يجردها من أبعادها الآنفة الذكر ستؤدي إلى انتهاء دورها الإيجابي في الحياة.