TOP

جريدة المدى > مسرح > "التحولات التراجيدية الجديدة" قراءة في عروض:المهرجان المسرحي الخامس لتربية البصرة

"التحولات التراجيدية الجديدة" قراءة في عروض:المهرجان المسرحي الخامس لتربية البصرة

نشر في: 31 مارس, 2014: 09:01 م

-1-في جو من المعالجة ( التراجيدية الجديدة ) حاول المخرجون في الغالب , تقويض الثنائية العدائية بين حقوق وواجبات الذكر والأنثى على مستوى الحضور والغياب , أو كتابة النص الدرامي , أو الاختلاف الإخراجي  في معالجة العرض المسرحي الذي له ضروراته الخاصة

-1-

في جو من المعالجة ( التراجيدية الجديدة ) حاول المخرجون في الغالب , تقويض الثنائية العدائية بين حقوق وواجبات الذكر والأنثى على مستوى الحضور والغياب , أو كتابة النص الدرامي , أو الاختلاف الإخراجي  في معالجة العرض المسرحي الذي له ضروراته الخاصة . حين " ينطق " الممثل بالحوار على وفق تنغيمات , من شأنها ان تقود إلى منعطفات دلالية قد تكون مغايرة في العرض عنها في النص .فمازال هناك من يعتقد بأن ( المعنى ) يوجد جاهزاً سلفا وبذلك يخالف المنطق الفني وكأن المخرج ملزم بتطبيق النص حرفياً , في عمله الإخراجي , أو يبقى تابعاً للنص , وليس خالقاً لعالم جمالي يتميز بظواهريته البصرية – السمعية , ويتشكل نسقه الحركي , بابتكار , وامتياز في الكشف والخلق الإبداعي الفني , حينها يتحول ( الحوار ) بمدلوله المتعالي , على كتابة المفردة اللغوية الثابتة , وهو يخوض في ابتكار جماليته المنفردة لتشكيل عناصر العرض .
كما تعامل المخرجون – أيضا – مع مرجعيات تراثية , لها حقول دلالية , تجمع الموروث , والفولكلور وأنساق لغوية تحيل إلى مراحل تاريخية , في نظامها العلامي ومعجمها , وكفاءة المتلقي , في ترهين المعنى , والمغزى للحوار , وحقوله الدلالية المترادفة والمتضادة بين طرفي الصراع في العرض , قوى التخلف , وقوى التقدم .
ضمن المعالجة السياقية , وجدنا رؤى تاريخية توحي بتأثيرات أزمنة أو مراحل سابقة مرّ بها الشعب العراقي في بيئة متشظية بأفكارها الأيديولوجية وصلت ببعض العروض إلى التشبث بما يشبه الوثيقة الواقعية , والقريبة من منهجية العلم , يتحكم البعد الموضوعي الخارجي , باتجاه العرض , وتحديد أهدافه , لتبرز لدينا – أيضا – قضايا مجتمعية تخص القيم , والأعراف , ومبادئ السلوك الأخلاقي ( القيمي ) حيث بات المضمون مكرساً لملامحه الواضحة , ويعلن العرض بلغة شعارية , قناعاته الفكرية الصارخة .
وأكدت عروض أخرى على جوانب ( نفسية ) مريضة أو منحرفة وتطرقت أخرى بتقديم حلول ومعالجات سريالية  وتدور في محيط خرافي لا معقول تجافي المنطق الحياتي المعروف للناس , وازدهرت بعض الصياغات في انزياحات أسلوبية اتخذت من شكلانية العرض وأسلوبيته وعمق خياله الفني هدفاً إبداعياً متفرداً لغاية جمالية تخص قوانين العرض , منحرفة عن ثوابت النسق اليومي , سواء على مستوى ( الشكل ) في إنتاج المعنى , أو ضمن تكوين هندسي لتفجر معاني  مختلفة عند المتلقين , تقترن بتحولات لغة العرض في تبايناتها الداخلية واختلافاتها المتنامية , وكذلك في المواجهة لمعايير خارجية مهما كانت أسبابها وحذفها من المعالجة لأنها غريبة عن بؤرة العرض , الأمر الذي جعل من ( المتفرج ) يتعامل مع ( فجوات ) مختلفة ،وبذلك اختلفت طرائق التلقي من حيث توتر طاقتها عند هذا المتفرج أو ذاك , الذي يقوم بعملية خلق جديدة , في تفاعله مع العرض وإنتاجه لدلالات جديدة , كانت الأشكال الإخراجية حافلة برموزها المعقدة, المنشغلة بإعادة تصنيف الأشياء في البناء التركيبي للعرض فتقوم المرأة بدور الرجل أو المقبرة بدور الحياة , أو الحزن بديلاً عن الفرح في هذا المناخ الكابوسي , الذي يطبق بخناقة على الجميع ولكنه يخرج عن الإيقاع اليومي الرتيب , لفصل ( البطل ) عن التماهي مع حياة واقعية ما , وإكراهاتها البغيضة , غيّر المعالجة جمالياً , حتى أقنعتنا بعض العروض بأن " للكلمة " حضورا شخصيا لها , ولها كينونتها , وحقيقتها الخاصة في الوجود , وقطعتها بأسلوب مسرح اللامعقول عن العلاقة مع الخارج , حيث اتضح لنا تماماً : ان لا شيء خارج الكلمات , فالكلمات هي الحرية والخارج عنها هو السجن .
تخيل المخرجون صورة الآخر على وفق ما رأوه هم , وترك كل مخرج لجمهوره , الكيفية التخيلية التي يرونه بها , لذلك لا تجربة جمالية بدون جمهور , على رأي ( بيتر بروك ) ونضيف نحن لا جمال خارج العرض .

في عرض (أسرار الفراش) للمخرج : جفات – الرصافة
عازف " الجلو " بزيه الأبيض يتحوطنه ثلاث نسوة بملابس سوداء وشال أحمر , ويدور أربعة من الجنود , وطبيب , وطبيبة , النسوة تطرز إحداهن على شال ابيض ممتد من اعلى المسرح من فوق ( بارتيشنات ) الشفافة المنزلقة , والثانية تدخن السيجارة  والثالثة كأنها عارضة أزياء يجري اغتصابها في معتقل سري في زمن دكتاتوري شمولي , ليتحول المشهد برمته إلى هلع , ولطم , ودوران عاصف من الحزن بلا نهاية منفرجة , ولا ضوء في ثقل العتمة , في دوائر جهنمية من الاضطهاد البوليسي , تتصاعد الوتيرة التراجيدية , حين يقدمن على شنق أنفسهن بشالات متدلية من الأعلى , يحجب الجند جثثهن من الجمهور وهم يؤدون التحية للجلاد الأكبر .
حاز العرض أناقة لونية واضحة, لولا بعض اللمسات الأنثروبولوجية التي أثقلت فوتوغرافيتها النسمة الحرة , في صياغة العرض .
مأساة محرّك الدمى   / للمخرج / صفاء رؤوف مرزة – تأليف : محمد أبو العباس
يظهر المخرج هياكل ، " بارتشنات" على شكل دمى ، ومجموعة مرقطة بالأبيض والأسود، " الفسفورية اللون" لكن هذا التأثير خفتَ بسبب تقنية الإضاءة ، جاء المخرج التشكيلي ، بهدف فتح حوار أخلاقي وجمالي مع الجمهور، في الضوء وفي الظلام ، فدور الفنان – حسب المخرج – هو رهن المستقبل والانفتاح على أجيال قادمة، تخترق الظلام الذي تعثر فيه الآباء، والفنان يقدم لحظات جمالية، حالمة، مهما تلفعت المرأة بالسواد ، وتراجيديا الظلام الموحشة.
أراد العرض تفحص قدراته التجريبية في محاولة بريئة ومخلصة من أجل أهداف إنسانية عامة .

وباء الزقشر , تأليف وإخراج نصيف فلك – الرصافة الأولى
يقتحم العرض – بدراية محسوبة , وجرأة فنية استثنائية نادرة , ذلك المحيط الهادر من تراجيديا الموت , والدمار , والفناء الأحمق , الذي يسيء لكرامة الإنسانية عرض يتألق بممثليه وممثلاته , بغبطة الجمال , والتهكم ( الجروتسكي ) الذي يقلب من طريق العبث , الموازين الحياتية برمتها , ويتحول الأعلى إلى الأسفل , والأسفل إلى الأعلى فيختض ( بالموت ) وتوظف الحلبات كلها , حتى بين المتصارعين في حلبة الملاكمة , لنشهد ( فقيهاً ) يلاكم ( خصمه ) في العلن , أمام الجماهير المحتشدة , ويطلق فتاوى تحريمية تقوّض الجبال الرواسي , لكننا نرى ( أجندة ) سرية تجمعها وراء كواليس ( العبادة ) !
ثم تخترق (القاعة ) من قبل امرأة , ورجل يحملان ( مهد ) طفل ليبيعا ( الغيرة والشرف ) في محيط مكفهر من الموت , والقتل والمقابر , في نشيد ( أم دانة ) الذي وظف أعلى لحظات السخرية , من خنوع المجموعة التي أسرفت في غباواتها , وسكونها المخل بالشرف عن الجريمة ونحر الوطن , حتى تحولت قصيدة السياب من احتفائها بالوطن , إلى مرثاة للوطن " الذبيح " ولم يكن الاحتفاء بجنازة الأب المتوفى رقصاً وغناء , وتمنيات الجميع , ان يسهل الله على الجميع موت آبائهم , ونسف عوائلهم , وتدمير مستقبلهم , بالتهاني والزغاريد , وضرب الدفوف , وقرع الطبول ! ، لم يكن كل هذا إلا قلباً للمنطق السائد والتقاليد المكرسة للفرح أو الحزن .
ويغتم الجميع , حين تقع على رؤوسهم وقع الكارثة , ولادة طفل , وتعليل هذا الحزن التراجيدي الوبيل هو : ان الطفل جاء للدنيا , وهو ذكر , وجميل , ومعافى !
ياللهول ! هنا يتحرك الموتى في قبورهم , وتعلن الأرض النشور , وتشيط غضباً , أكداس النفايات , ويحمل الجمع مسدسات ومانيكان رجل , ومهود أطفال , وهرج , واصطخاب في جو فولكلوري , كما يزف فيه العرسان إلى بيوت المقابر الزوجية السعيدة !
ثم تضاء المصابيح الحمراء وهم يرتدون " السواد " وعند هذا الختام تتكدس وتتكاثر في جانب " يسار المسرح "
العرض كان مثالاً للتراجيكومديا , وطنية بامتياز أراد المخرج بكلمته , ان يقاوم الشر , بوردة المسرح , ليوقظ ضمير من يموت وهو لا يدري ! الضمير اليوم – كما يقول – في غرفة الإنعاش , وهو يقاوم عمالقة الفتك والفساد .

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

الفيفا يعاقب اتحاد الكرة التونسي

الغارديان تسلط الضوء على المقابر الجماعية: مليون رفات في العراق

السحب المطرية تستعد لاقتحام العراق والأنواء تحذّر

استدعاء قائد حشد الأنبار للتحقيق بالتسجيلات الصوتية المسربة

تقرير فرنسي يتحدث عن مصير الحشد الشعبي و"إصرار إيراني" مقابل رسالة ترامب

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

مسرحية رائحة حرب.. كايوسية التضاد بين الحرب ورائحته
مسرح

مسرحية رائحة حرب.. كايوسية التضاد بين الحرب ورائحته

فاتن حسين ناجي بين المسرح الوطني العراقي ومهرجان الهيئة العربية للمسرح في تونس ومسرح القاهرة التجريبي يجوب معاً مثال غازي مؤلفاً وعماد محمد مخرجاً ليقدموا صورة للحروب وماتضمره من تضادات وكايوسية تخلق أنساق الفوضوية...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram