كان غريغوري راسبوتن فلاحاً من صربيا، تحول الى رجل تقي من رجال الدين، وكان ايضاً ذا جاذبية لا تصدق، وأسنان سيئة، وصحة جيدة، "وادعى يوما انه لم يغير ملابسه الداخلية لستة اشهر"، اما رائحته فكانت مثل رائحة حيوان قوي- مثل معزة "حسب أقوال السفير الفرنسي، وقد استخدم هذه الصفات للفوز بحظوة لدى العائلة المالكية في روسيا، واصبح لأعوام القوة الكامنة خلف العرش، ومع عمله ذلك، اغوى الألوف من النسوة، ونجح ايضاً في احتساء الخمر عدة ليالي في الاسبوع.

انها قصة مشوقة، مع انها تنتهي بصورة سيئة، فلا غرابة ان يؤدي الممثل الفرنسي جيالردي بارديو قصة حياة راسبوتين مرتين في خلال العامين المنصرمين.

وكما قال روبرت ماسي، في روسيا فقط لم يتم نشرها، وحتى في روسيا، كان الأمر غريباً وتكتب فرانسيس ويلش عن حياة راسبوتين محاولة شرح لماذا حدث ذلك الامر.

لقد استغل راسبوتين المعتقدات الروسية عن رجل مقدس يطوف راجلاً من قرية الى قرية ويقال ان له علاقة مباشرة بالله "وحتى توليستوي في اواخر حياته قد زاره"، وهو ايضاً استغل وحدة وانعزال الاسرة الحاكمة: نيقولاس واليكسندرا- وكان القيصر رجلاً مهذباً، غير قادر على اتخاذ القرار، اما القيصرة الالمانية الولادة وبريطانيا المنشأ، حفيدة الملكة فيكتوريا، وكانت سعيدة، توصي على شراء ملابسها بعد اختيارها من "مجلات الازياء" ولم تتلاءم قط مع الحياة في روسيا او تغير من لهجتها، وتتحدث مع القيصر بالانكليزية.

وقد استغل راسبوتين اخيراً حالة ابن القيصر المحيرة وهو ولي العهد اليكسي وكان قد ورث من جدته الملكة فيكتوريا مرضاً مزعجاً: الهيموفيليا، نزف الدم وكانت الحراسة على الامير مشددة وتم تخصيص اثنين من رجال البحرية لمرافقته في كل مكان، اضافة الى جيش من الاطباء، ولم يستطع واحد منهم فعل اي شيء، وذلك المرض عذّب الام وابنها.

وكان راسبوتين الشخص الوحيد القادر على تقديم المساعدة وقد تم توصية العائلة المالكة للاستعانة به، وقدم راسبوتين مزيجاً من معطر ديني ورائحة كريهة، وكانت النتيجة توقف نزيف اليكسي، وما فعله راسبوتين كان مثار خلاف طبي، وهو في خلال نزف الدم، كان يتحدث مع ولي العهد، يحكي له القصص محاولا تهدئته –وتلك العملية كانت تهدئ من ضغط الدم، وتخفف من النزيف، وادعى معاصروه انه كان ينوم الناس بعينيه وربما كان اليوم اليكسي ايضاً، وكان يقول: "لا تدعوا الاطباء يزعجونه".

وبالنسبة لالكسندرا، لم تدخل في جدال طبي، اذ كان راسبوتين في رأيها رجل الله، وهكذا اصبح الزائر الذي يتردد غالباً للاسرة الحاكمة، وانهالت الهدايا عليه من افراد البلاط وكان واضحاً ان علاقة راسبوتين بالاسرة الحاكمة، فانه سيكون محط طلبات الناس له، وكلمة واحدة من القيصرة تنفذ طلبات الناس كافة لتصبح حقائق، وشقة راسبوتين في شارع سانت بيترسبورغ تحولت الى مكتب مزدحم، حيث ينظر في امور الناس ويحل مشاكلهم الطبية، وبقوته السحرية، يقدر على شفائهم من الامراض النفسية، اما الاجر فيمكن دفعه بالنقود او طلبات من الاسرة الحاكمة "بالقبلات".

وفي خلال الايام الهادئة، يمكن تجاهل مثل هذه الامور ولكنها كانت مرحلة التأزم الحاد، ففي عام 1905، بعد حرب مع اليابان والتي انتهت بالهزيمة واصبح الجنود في سان بطرسبرغ، وارغم نيكولاس على اصدار الدستور وعقد مجلس البرلمان "الدوما"، وعندما اصبح ذلك المجلس اكثر جرأة، اصدر القيصر قراراً بحلّه، وتواصل الامر "بدعوة مجلس جديد ثم حلّه عدة مرات"، ثم وجدت روسيا نفسها تواجه الحرب العالمية الاولى.

وفي خلال تلك المرحلة، سيطر راسبوتين على القيصرة، واصبح سكيراً على الدوام، يحاول الحصول على اي امرأة، وسرعان ما اصبحت علاقة راسبوتين بالعائلة الحاكمة فضيحة، وحاولت الكنيسة الارذودكسية، -التي ايدته اولاً- لفت نظر القيصر الى تصرفاته، ولكن بدون جدوى، اذ كان راسبوتين قد اقنع اليكسندرا بقدسيته، وانعكست تصرفات راسبوتين على الاسرة الحاكمة.

وجاءت الاحداث الاسوأ، ففي صيف 1915 والحرب تتواصل بشكل رديء في روسيا، قرر القيصر مغادرة العاصمة وتولي قيادة الجيس الروسي- دون اي تجربة، وكانت الاشاعات تدور عن علاقة حب بين القيصرة وراسبوتين وقد تأكد الجميع ايضاً من كونهما جاسوسين لحساب المانيا.

وجرت عدة محاولات لقتل راسبوتين، وتم طعنه في البطن ولكنه عاش، وجاءت المحاولة الاخيرة في شهر كانون الاول 1916، من قبل نائب رئيس مجلس الدوما الدوق ديمتري وشابن ارستقراطيين، وقد دعاه الدوق ديمتري الى منزله، حيث قدم له الكيك المسموم والشراب، وعندما لم يظهر اثر السم عليه، اطلق عليه الرصاص من الخلف، ومع ذلك قام راسبوتين وبدأ يركض الى الخارج، ولذلك تم اطلاق النار عليه مرة اخرى.. وقام الثلاثة المتآمرون بتغطيته بستارة، شدوا يديه، وقذفوا به الى حفرة من الجليد في نهر نيفا، حتى غرق.

لقد حاول الثلاثة انقاذ الحكم، ولكن الامر كان متأخراً، وبعد شهرين خرجت الجموع الى الشارع وارغم القيصر التنازل عن العرش، ثم تسلم البلاشفة السلطة ، وقبل ذلك كان مجلس الدوما قد اخرج جثمان راسبوتين من الحفرة وتم حرقها تماماً.

وبعد اقل من اربعة اعوام وجدت العائلة المالكة وبينهم ولي العهد (13 سنة) تواجه الاعدام، وتم ذلك في بيكاتيرينبور.

 عن: الغارديان