بعد معركة حياة أو موت، خاضها رجب طيب اردوغان بكل ما توفر من أسلحة، وصولاً إلى حجب مواقع التواصل الاجتماعي في بلد "ديمقراطي"، واتهامات لحزبه وله شخصيا بالفساد الممنهج، دفعته للتلويح باعتزال الحياة السياسية، إن لم يفز حزبه بالمركز الأول في الانتخابات البلدية، باعتبار أنها الخطوة الأخيرة قبل النيابية، وأن نتائجها ستحدد مسبقاً الفائز بكل السلطة، خرج رجل تركيا "القوي" منتصراً، وهو يضع قدمه على طريق القصر الرئاسي، ليكون الرئيس القادم بصلاحيات استثنائية، سيُعدل الدستور لامتلاكها، وتمكينه من القضاء على أي فرصة لخصومه بالفوز، طالما ظل متمسكاً بخططه الاقتصادية، التي ينبغي القول إنها السبب الرئيس في فوزه الساحق، المؤكد اليوم والمتوقع غداً.
فوز هذا العام جاء كاسحاً، إذ تجاوز الحزب ما حققه في الانتخابات السابقة بنحو 7%، رغم أن الظروف اليوم أسوأ مما كانت عليه آنذاك، وهو يقودنا إلى التساؤل عن معاني هذا الانتصار، الذي كان بمثابة استفتاء على شخص أردوغان، وما سيحمله من تداعيات على مستقبل البلاد، إضافة إلى مصير جماعة غولن التي فجرت أزمة فضائح الفساد والتسريبات، في محاولة لإسقاطه، لكنه بسط اليوم سيطرته على عاصمتي البلاد أنقرة وإسطنبول، حيث اعتبر أن من يسيطر على إسطنبول قد سيطر على تركيا، وهو ترك بقية المقاعد موزعة على حزب الشعب الجمهوري والحركة القومية، وما زاد عن ذلك كان من نصيب حزبين كرديين وبعض المستقلين.
رفض معارضو أردوغان الاعتراف بالهزيمة، وتعهدوا بمواصلة "النضال" بهدف كسب قلوب مؤيدي العدالة والتنمية، مع تأكيدهم أن ذلك لا يحدث بين ليلة وضحاها، وشددوا أنه مهما حصل عليه أردوغان من نتائج فإنها لا تبرئه من تهم الفساد والتسريبات، لكنهم استهجنوا استمراره في الحكم بعد كل تلك الفضائح، معتبرين أن المجتمع يعاني من مشكلة مبادئ أخلاقية، حين يمنح ثقته مجددا لأردوغان، وأعربوا عن خشيتهم من أن تشجعه هذه النتيجة على مواصلة مشروعه الشخصي للتحول إلى ديكتاتور، يُحكم سيطرته على المشهد السياسي والإعلامي وعلى رجال الأعمال.
مستشعراً بفائض القوة، توعد الزعيم التركي باقتلاع الكيان الموازي من جذوره، استناداً إلى القانون، ووعد بأنه لن تكون هناك دولة داخل الدولة، فقد حان الوقت للقضاء على جماعة غولن، وطالب كأي زعيم مطلق بتغيير المعارضة، بمعنى أن تكون بالمقاسات التي يراها مناسبة، وكان ذلك واضحاً فيما ردده أنصاره من أن تركيا لا تهزم والأمة لا تركع، باعتبار أن أردوغان هو تركيا، وهي شعارات تنم عن الغرور، وتشير إلى بداية تمجيد الشخص أكثر من سياساته، وستقود بالتأكيد إلى ولادة سلطان جديد، بحريمه وجواريه وباشواته وخصيانه، ليلعب دور الحاكم باسم الله، ما يعني أن دور الجمهور سيقتصر على التصفيق.
فترة حكم أردوغان المقبلة لن تكون كسابقتها، رغم عدم تبرئته من قضايا الفساد بعد، فهو يمتلك تفويضا شعبيا للقضاء على ما يصفه بالدولة الموازية، والمقصود هنا معارضيه، الذين سيستمرون في هجومهم عليه وعلى حزبه، مع استمرار الأزمة وإن بوتيرة مختلفة بعد أن قال الشعب كلمته، فهل قالها حقاً؟
السلطان أردوغان
[post-views]
نشر في: 1 إبريل, 2014: 09:01 م