اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > فتوى تكفير "العلماني"

فتوى تكفير "العلماني"

نشر في: 1 إبريل, 2014: 09:01 م

يحاول البعض أن يوهم الناس البسطاء، بأن مشاكلهم اليومية لا تتعلق بغياب الأمن والخدمات، وأن معركتهم الحقيقية ليست مع سراق المال العام، ومروجي الخطب الطائفية، وان الأزمة العراقية ليست السعي إلى تقسيم البلاد لدويلات طائفية.. وإنما أزمتنا الحقيقية هي مع مجموعة من الشخصيات التي تنتمي للتيار المدني من الذين يريدون أن يجعلوا من الدولة المدنية بديلا لدولة الطوائف والاقارب  
خلال الايام الماضية انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي وفي وسائل الاعلام صورة للافتة كبيرة خطت عليها عبارة: "المرجع الحائري يحرم انتخاب العلماني".. وقفت أمام هذه العبارة طويلا لأفهم شيئاً محدداً، حول رفض السيد الحائري أن يمنح العلماني العراقي الحق في خوض الانتخابات ، فلم يسعفني جهلي وغبائي لإدراك المعاني الخفية والغايات الخطيرة التي جعلت البعض يصر على توزيع هذه اللافتة في عدد من مناطق العراق برغم أن أحدا لم يخبرنا بان الدستور العراقي الذي صدعوا رؤوسنا به، وضع معايير دينية وطائفية للمشاركة في الانتخابات.
إن المفارقة الصادمة هنا أن اللافتة التي خطت عليها كلمات السيد الحائري تأتي في سياق ما اعتبرها البعض مبادرة لدعم الأحزاب الدينية، في الوقت الذي لم يقل لنا أصحاب هذه اللافتة ماذا قدمت الاحزاب الدينية للناخب العراقي خلال السنوات الماضية؟
للأسف يصر البعض على اختزال معاناة العراقيين بشعارات وخطب أصبحت من الماضي، موهمين البسطاء بأن مطالبهم في العدالة الاجتماعية والأمان والسكن النظيف، قد حسمت ولم يبق في الاجواء سوى منغصات التيار المدني والحزب الشيوعي والقوى المدنية ومن لف لفهم.. عندما يعتقد البعض من رجال الدين ان بناء الدولة لا يتم الا في التخلص من كل من ينادي بتأسيس دولة المواطنة، وليس في نبذ السراق والمفسدين وأمراء الطوائف، فعلينا جميعا ان نشعر بالخوف على مستقبل البلاد، لان من يقول هذا الكلام اليوم فربما غدا يحوله إلى تشريعات تقضي برجم كل من يخالفه الرأي.
واسأل المروجين لهذه الفتوى هل انتهينا من مؤامرات الطائفية والتهديد بالحرب الأهلية.. وهل تحققت مطالب الناس بالعيش في بلد امن ومستقر؟ وهل نحن في ظل نظام سياسي يضمن حقوق جميع العراقيين بكل طوائفهم وانتماءاتهم وقومياتهم؟ وهل تجاوزنا كل الفخاخ التي ينصبها لنا يومياً مثيرو الفتنة الطائفية؟ لتُخصص فتاوى تفتح فيها مزادات مزاد الهجوم على القوى المدنية.. هل نطرد كل من ينادي بدولة المؤسسات من جمهورية العراق الفاضلة ونقوم بوأدهم؟ أم هل نخصص للمرشحين العلمانيين جزيرة لكي ننفيهم فيها من اجل صلاح البلاد والعباد.
لقد أثبتت تجارب الشعوب المتقدمة أن التعايش المشترك والمجتمعات القائمة على التعددية الفكرية هي الاسرع في الاتجاه نحو التقدم والأكثر استيعابا لروح العصر والأقدر على امتصاص مظاهر التحضر وعناصر الارتقاء‏,‏ فالتعددية نعمة وليست نقمة لان المجتمعات متعددة الالوان اكثر ازدهارا واشد بريقا امام الغير وأكثر استجابة لروح العصر وتقاليده الجديدة‏,‏ كما ان الاقليات العددية تمثل غالبا مركزا نشيطا في الحياة العامة وتلعب دورا فاعلا في التطور الاجتماعي، الناس تريد ان تعيش في دولة مدنية قائمة على سيادة الدستور والقانون واستقلال القضاء والحريات العامة وليس على فتاوى وامزجة البعض ممن لا يفرقون بين حقوق الناس وواجباتها.
يجب أن نعلي من شعار الدولة المدنية وإلا فإن الانحراف عن هذا المعنى سوف يؤدي إلى فوضى، ولعل ما يقوم به البعض من خلط بين الدين والدولة يشكل خطراً شديدا على الحريات، ولعل المظاهر التي تمارس في العديد من محافظات العراق ومؤسسات الدولة سببت حالة من القلق على مستقبل الدولة العراقية التي نتمنى أن يحتكم فيها الجميع إلى القانون وقيم الديمقراطية والأخذ بمبدأ المواطنة بين الأفراد.
مبدئيا من حق أي قوة سياسية موجودة على الساحة أن تعبر عن نفسها، تلك هي أصول الديمقراطية، وعلى الجميع أن يقبل بقواعد اللعبة ويحتكم إلى المواطنين وصناديق الانتخاب لحسم أي خلافات في الرؤى والأفكار والبرامج والسياسات.
وغني عن القول أنه لا توجد حرية مفتوحة ومطلقة، كل حرية مقيدة بالقواعد التي يضعها الشعب، في ظرف كهذا الذي نعيشه، وفي وقت قدم العراقيين تضحيات كي يتخلصوا من النظم الاستبدادية، لا يجوز لاحد ان يسعى لاختطاف التغيير وتأميمه لمصلحة طرف سياسي واحد يقول إنه سيفصِّل الحكم على مقاسه وعلى الآخرين البحث عن خياطين في بلدان أخرى.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

جميع التعليقات 5

  1. أبو همس الأسدي

    وهل أجاز وحلل وبارك .. انتخاب المرتشي والفاسد والمختلس والمزور ؟؟ أم فقط القتلة والأرهابيين من مختلف المليشيات

  2. عصام لعيبي

    هذا المقال مع الاسف يختزل معنى العلماني بالذي يسعى الى بناء دوله المواطنه دون دوله الطوائف فقط ويبدو لي ذلك انه تقزيم لمفهوم العلمانيه خاصه من العلمانيين انفسهم. لكن وكما افهم فان العلمانيه هي استخدام العلم والمنهج العلمي في تفسير اﻻمور بعيدا عن الخرافه.و

  3. ابو اثير

    سيدي الكريم ... كنت أود أن اسمع ومعي الملايين من الشعب العراقي أن يفت السيد الحائري بحرمان أنتخاب من سرق ومن أفسد ومن حرض على القتل ومن أشعل الفتنة الطائفية ومن أستحوذ على المال العام ومن أخرج وهرب السجناء من السجون ومن أكل وسرق طعام اليتيم وترك ألأرامل

  4. أسعد العلماني

    كل يوم تصدر فتوى دينية بتكفير الشيعة وهدر دمهم ، وكل يوم يتقدم داعش التتكفيري كيلومتراً في العراق ، وبالأمس صدرت فتوى تكفر عبدالكريم قاسم وكل المواطنين العلمانيين ، وتهدر دمهم ، فجاء البعث وصدام وأمعنوا في الشعب العراقي ذبحاً وحرقاً وتقتيلاً وتهجيراً أربع

  5. Ali Alsaffar

    قالها علي (ع) (اعمل لدنياك كأنك تعيش ابدا واعمل لآخرتك كأنك تموت غدا ) وهذا يجيز ويؤكد العمل وفق المفهوم العلماني ؛ كما يؤكد العمل وفق المفهوم الديني ؛ أي بمعنى اخر قد رسم خطين بيانيين حتميين واختصاصين ومنهجين لكل وظيفة ؛ فلا غنى عن العمل لبناء الحياة بشك

يحدث الآن

"الأبنية متدهورة".. سجون العراق تعاني اكتظاظاً يفوق 300% من الطاقة الاستيعابية

اجتماع هام لديكو لحسم صفقة جديدة لبرشلونة

العمليات المشتركة تكشف تفاصيل هجوم "الفصائل" على قاعدة عين الأسد

السجن 15 سنة بحق مدان أطلق النار على مفرزة أمنية

آفة تتفاقم.. الداخلية تعلن القبض على (31) متسولاً في بغداد

ملحق منارات

الأكثر قراءة

الأحوال الشخصية.. 100 عام إلى الوراء

وظيفة القرن: مدير أعمال الشهرة والانتشار

العمودالثامن: يا طرطرا.."!

العمودالثامن: ماذا يريدون ؟

مقترح تعديل قانون الأحوال الشخصية العراقي.. في المنطق القانوني

العمودالثامن: درس تشرين ودرس بنغلاديش

 علي حسين ما هو الفارق بين ما جرى في تشرين عام 2019 في بغداد والمحافظات.. وما جرى في البلاد الفقيرة بنغلاديش خلال الأيام الماضية؟ في العراق جرى قتل أكثر من 700 شاب.. وجرح...
علي حسين

متى تتكلم الأغلبية الصامتة؟ وماذا بعد قانون الأحوال الشخصية؟

د.غادة العاملي يثار جدل واسع حول تعديل قانون الاحوال الشخصية وخطورة التداعيات الاجتماعية التي تسبب بها، ويبدو من السجالات والمناظرات والندوات التي ترافق النقاشات المرتبطة بقانون الاحوال الشخصية، ان حزمة قوانين اخرى تنتظر التمرير...
د.غادة العاملي

عشر أفكار حول تطييف قانون الأحوال الشخصية

علي المدن لا أحد يعلم على وجه الدقة انطباعات العراقيين حول مقترح تطييف قانون أحوالهم الشخصية، وأنا شخصيا لم أقرأ حتى الآن أي أستطلاع للرأي العام حول هذا الموضوع المعقد، وعليه؛ ستبقى مسألة مقاومتهم...
علي المدن

في مواكبة الـ (المدى)..

لاهاي عبد الحسين يوافق الاحتفال بالذكرى الحادية والعشرين لانطلاق "المدى" كمشروع ثقافي واعلامي وطني مسؤول مع الضجة التي أحدثها تقديم مشروع تعديل قانون الأحوال الشخصية المرقم 188 لسنة 1959 في مجلس النواب العراقي. هذا...
لاهاي عبد الحسين
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram